أي ضربَهُ ابنُ الزِّبَعْرَى حينَ جادلَ رسولَ الله ﷺ في قولِه تعالى :﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ ﴾ حيثُ قالَ أهذَا لنَا ولآلهتِنا أو لجميعِ الأممِ. فقالَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ : هو لكمُ ولآلهتِكم ولجميعِ الأممِ. فقالَ اللعينُ : خصمتُكَ وربِّ لكعبةِ، أليسَ النَّصارى يعبُدونَ المسيحَ واليهودَ عزيراً وبنوُ مُلَيحٍ الملائكةَ فإنْ كانَ هؤلاءِ في النَّارِ فقد رضينا أن نكونَ نحنُ وآلهتُنا معهُم. ففرِحَ به قومُه وضحِكُوا وارتفعتْ أصواتُهم. وذلكَ قولُه تعالى ﴿ إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ ﴾ أي منْ ذلكَ المثلِ ﴿ يَصِدُّونَ ﴾ أي يرتفعُ لهم جلبةٌ وضجيجٌ فرحاً وجذلاً. وقُرِىءَ يَصُدُّونَ أيْ من أجلِ ذلكَ المثلِ يُعرضُونَ عنِ الحقِّ أي يثبُتونَ على ما كانُوا عليهِ من الإعراضِ أو يزدادونَ فيهِ، وقيلَ : هو أيضاً من الصديدِ، وهما لغتانِ فيه نحوُ يَعْكُفُ ويَعْكِفُ وهو الأنسبُ بمَعْنى المفاجأةِ. ﴿ وَقَالُواْ ءأَالِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ﴾ حكايةٌ لطرفٍ من المثلِ المضروبِ، قالُوه تمهيداً لما بَنَوا عليهِ من الباطلِ المُموَّهِ بَما يغترُّ به السُّفهاءُ، أي ظاهرٌ أنَّ عيسَى خيرٌ من آلهتِنا فحيثُ كانَ هُو في النَّارِ فلا بأسَ بكونِنا مع آلهتِنا فيَها. واعلمُ أنَّ ما نُقلَ عنهم من الفرحِ ورفعِ الأصواتِ لم يكُن لما قيلَ : من أنَّه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ سكتَ عندَ ذلكَ إلى أنْ نزلَ قولُه تعالى :﴿ إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا الحسنى ﴾ الآيةَ. فإنَّ ذلكَ معَ إيهامِه لما يجبُ تنزيه ساحتِه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ عنْهُ من شائبةِ الإفحامِ من أولِ الأمرِ خلافُ الواقعِ كيفَ لاَ وقد رُويَ أن قولَ ابنِ الزَّبعرَى : خصمتُكَ وربُّ الكعبةِ صدرَ عنْهُ من أولِ الأمرِ عند سماعِ الآيةِ الكريمةِ بلغةِ قومِك أما فهمتَ أنَّ مَا لَما لا يعقلُ.