ولما أطنب الله تعالى في نفي الولد أردفه ببيان نفي الشركاء فقال :﴿وَلاَ يَمْلِكُ الذين يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشفاعة إِلاَّ مَن شَهِدَ بالحق وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ ذكر المفسرون في هذه الآية قولين أحدهما : أن الذين يدعون من دونه الملائكة وعيسى وعزير، والمعنى أن الملائكة وعيسى وعزيراً لا يشفعون إلا لمن شهد بالحق، روي أن النصر بن الحرث ونفراً معه قالوا إن كان ما يقول محمد حقاً فنحن نتولى الملائكة فهم أحق بالشفاعة من محمد، فأنزل الله هذه الآية يقول لا يقدر هؤلاء أن يشفعوا لأحد ثم استثنى فقال :﴿إِلاَّ مَن شَهِدَ بالحق﴾ والمعنى على هذا القول هؤلاء لا يشفعون إلا لمن شهد بالحق، فأضمر اللام أو يقال التقدير إلا شفاعة من شهد بالحق فحذف المضاف، وهذ على لغة من يعدي الشفاعة بغير لام، فيقول شفعت فلاناً بمعنى شفعت له كما تقول كلمته وكلمت له ونصحته ونصحت له والقول الثاني : أن الذين يدعون من دونه كل معبود من دون الله، وقوله ﴿إِلاَّ مَن شَهِدَ بالحق﴾ الملائكة وعيسى وعزير، والمعنى أن الأشياء التي عبدها الكفار لا يملكون الشفاعة إلا من شهد بالحق، وهم الملائكة وعيسى وعزير فإن لهم شفاعة عند الله ومنزلة، ومعنى من شهد بالحق من شهد أنه لا إله إلا الله.
ثم قال تعالى :﴿وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ وهذا القيد يدل على أن الشهادة باللسان فقط لا تفيد ألبتة، واحتج القائلون بأن إيمان المقلد لا ينفع ألبتة، فقالوا بيّن الله تعالى أن الشهادة لا تنفع إلا إذا حصل معها العلم والعلم عبارة عن اليقين الذي لو شكك صاحبه فيه لم يتشكك، وهذا لم يحصل إلا عند الدليل، فثبت أن إيمان المقلد لا ينفع ألبتة.
ثم قال تعالى :﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ الله فأنى يُؤْفَكُونَ﴾ وفيه مسألتان :
المسألة الأولى :


الصفحة التالية
Icon