﴿ فأنى يُؤْفَكُونَ ﴾ أي كيف ينقلبون عن عبادته وينصرفون عنها حتى أشركوا به غيره رجاء شفاعتهم له.
يقال : أَفَكَه يَأْفِكُه أَفْكاً ؛ أي قلبه وصرفه عن الشيء.
ومنه قوله تعالى :﴿ قالوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا ﴾ [ الأحقاف : ٢٢ ].
وقيل : أي ولئن سألت الملائكة وعيسى "مَنْ خَلَقَهُمْ" لقالوا الله.
"فَأَنَّى يُوْفَكُونَ" أي فأنّى يُؤفك هؤلاء في ادعائهم إياهم آلهة.
وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ (٨٨)
في "قِيلِهِ" ثلاث قراءات : النصب، والجرّ، والرفع.
فأمّا الجرّ فهي قراءة عاصم وحمزة.
وبقية السبعة بالنصب.
وأما الرفع فهي قراءة الأعرج وقتادة وابن هُرْمُز ومسلم بن جُنْدُب.
فمن جرّ حمله على معنى : وعنده علم الساعة وعلم قِيلِه.
ومن نصب فعلى معنى : وعنده علم الساعة ويعلم قِيلَه ؛ وهذا اختيار الزجاج.
وقال الفرّاء والأخفش : يجوز أن يكون ﴿ وَقِيلِهِ ﴾ عطفاً على قوله :﴿ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم ﴾ [ الزخرف : ٨٠ ].
قال ابن الأنباري : سألت أبا العباس محمد بن يزيد المبرد بأيّ شيء تنصب القيل؟ فقال : أنصبه على "وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيَعْلَم قِيلَهِ".
فمن هذا الوجه لا يحسن الوقف على "تُرْجَعُونَ"، ولا على "يَعْلَمُونَ".
ويحسن الوقف على "يَكْتُبُونَ".
وأجاز الفراء والأخفش أن ينصب القيل على معنى : لا نسمع سِرّهم ونجواهم وقِيلَه ؛ كما ذكرنا عنهما.
فمن هذا الوجه لا يحسن الوقف على "يَكْتُبُونَ".
وأجاز الفراء والأخفش أيضاً : أن ينصب على المصدر ؛ كأنه قال : وقال قِيله، وشكا شكواه إلى الله عز وجل، كما قال كعب بن زهير :
تمشي الوُشاةُ جَنابَيها وقِيَلُهُم...
إنّك يا بْنَ أبي سُلْمَى لَمَقْتُولُ
أراد : ويقولون قيلهم.
ومن رفع "قيله" فالتقدير : وعنده قيلُه، أو قِيلُه مسموع، أو قيلُه هذا القول.


الصفحة التالية
Icon