ثم قال : وقد تمحل الناس بما أخرجوه به من هذا الأسلوب الشريف المليء بالنكت والفوائد المستقلة بالتوحيد على أبلغ وجوهه، فقيل : إن كان للرحمن ولد، في زعمكم، فأنا أول العابدين، الموحدين لله، المكذبين قولهم بإضافة الولد إليه.
وقيل : إن كان للرحمن ولد، فأنا أول الآنفين من أن يكون له ولد من عبد يعبد، إذ اشتد أنفه فهو عبد وعابد.
وقرأ بعضهم : عبدين، وقيل : هي إن النافية، أي ما كان للرحمن ولد، فأنا أول من قال بذلك وعبد ووحد.
وروي أن النضر بن عبد الدار بن قصي قال : أن الملائكة بنات الله، فنزلت، فقال النضر : ألا ترون أنه قد صدقني؟ فقال له الوليد بن المغيرة : ما صدقك، ولكن قال : ما كان للرحمن ولد، فأنا أول الموحدين من أهل مكة أن لا ولد له. انتهى.
أما القول : إن كان لله ولد في زعمكم، فهو قول مجاهد، وأما القول : فأنا أول الآنفين، فهو قول جماعة، حكاه عنهم أبو حاتم ولم يسم أحداً منهم، ويدل عليه قراءة السلمي واليماني : العبدين، وقراءة ذكرها الخليل بن أحمد في كتابه العين : العبدين، بإسكان الباء، تخفيف العبدين بكسرها.
وذكر صاحب اللوامح أنه جاء عن ابن عباس في معنى العابدين : أنه الآنفين انتهى.
وقال ابن عرفة : يقال : عبد يعبد فهو عبد، وقلما يقال : عابد.
والقرآن لا يأتي بالقليل من اللغة ولا الشاذ، ثم قال : كقول مجاهد.
وقال الفرزدق :
أولئك آبائي فجئني بمثلهم...
واعبد أن أهجوا كليباً بدارمي
أي : آنف وأستنكف.
وقال آخر :
متى ما يشا ذو الود يصرم خليله...
ويعبد عليه لا محالة ظالما
وأما القول بأن إن نافية، فمروي عن ابن عباس، والحسن، والسدي، وقتادة، وابن زيد، وزهير بن محمد، وقال مكي : لا يجوز أن تكون إن بمعنى ما النافية، لأنه يوهم أنك إنما نفيت عن الله الولد فيما مضى دون ما هو آت، وهذا محال.
انتهى.