﴿ لَقَدْ جئناكم بالحق ﴾ في الدُّنيا بإرسالِ الرُّسلِ وإنزال الكتبِ وهو خِطَابُ توبيخٍ وتقريعٍ من جهةِ الله تعالَى مقررٌ لجوابِ مالكٍ ومبينٌ لسببِ مكثِهم، وقيلَ : في قالَ ضميرُ الله تعالَى :﴿ ولكن أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقّ ﴾ أي حقَ كانَ ﴿ كارهون ﴾ لا يقبلونَهُ وينفرونَ عنْهُ، وأما الحقُّ المعهودُ الذي هو التوحيدُ أو القرآنُ فكلُّهم كارهونَ له مشمئزّونَ منْهُ ﴿ أَمْ أَبْرَمُواْ أَمْراً ﴾ كلامٌ مبتدأٌ ناعٍ على المشركينَ ما فعلُوا من الكيدِ برسولِ الله صلى الله عليه وسلم. وأمْ منقطعةٌ وما فَيها من مَعنْى بلْ للانتقالِ من توبيخِ أهلِ النَّارِ إلى حكايةِ جنايةِ هؤلاءِ، والهمزةُ للإنكارِ، فإنْ أُريدَ بالإبرامِ الإحكامُ حقيقةً فهيَ لإنكارِ الوقوعِ واستبعادِه، وإنْ أُريدَ الإحكامُ صورةً فهيَ لإنكارِ الواقعِ واستقباحِه أيْ أأبرمَ مشركُو مكَة أمراً من كيدِهم ومكرِهم برسولِ الله صلى الله عليه وسلم. ﴿ فَإِنَّا مُبْرِمُونَ ﴾ كيدنَا حقيقةً لا همُ أو فإنَّا مبرمونَ كيدنَا بهم خقيقةً كما أبرمُوا كيدَهُم صورةً كقولِه تعالى :﴿ أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فالذين كَفَرُواْ هُمُ المكيدون ﴾ وكانُوا يتناجَون في أنديتِهم ويتشاورُون في أمورِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ.


الصفحة التالية
Icon