وفيه نفي للولد على أبلغ وجه، وأتمّ عبارة، وأحسن أسلوب، وهذا هو الظاهر من النظم القرآني، ومن هذا القبيل قوله تعالى :﴿ وَإِنَّا وَإِيَّاكُمْ لعلى هُدًى أَوْ فِى ضلال مُّبِينٍ ﴾ [ سبأ : ٢٤ ]، ومثل هذا قول الرجل لمن يناظره : إن ثبت ما تقوله بالدليل، فأنا أوّل من يعتقده، ويقول به، فتكون "إن" في ﴿ إِن كَانَ ﴾ شرطية، ورجح هذا ابن جرير، وغيره.
وقيل : معنى العابدين : الآنفين من العبادة، وهو تكلف لا ملجىء إليه، ولكن قرأ أبو عبد الرحمن اليماني :( العبدين ) بغير ألف، يقال : عبد يعبد عبداً بالتحريك : إذا أنف، وغضب، فهو : عبد، والاسم العبدة مثل الأنفة، ولعل الحامل لمن قرأ هذه القراءة الشاذة البعيدة هو استبعاد معنى :﴿ فَأَنَاْ أَوَّلُ العابدين ﴾، وليس بمستبعد، ولا مستنكر.
وقد حكى الجوهري عن أبي عمرو في قوله :﴿ فَأَنَاْ أَوَّلُ العابدين ﴾ أنه من الأنف، والغضب.
وحكاه الماوردي عن الكسائي، والقتيبي، وبه قال الفراء.
وكذا قال ابن الأعرابي : إن معنى العابدين : الغضاب الآنفين.
وقال أبو عبيدة : معناه : الجاحدين، وحكى : عبدني حقي، أي : جحدني، وقد أنشدوا على هذا المعنى الذي قالوه قول الفرزدق :
أولئك أجلاسي فجئني بمثلهم... وأعبد أن أهجو كليباً بدارم
وقوله أيضاً :
أولاك أناس لو هجوني هجوتهم... وأعبد أن يهجى كليب بدارم
ولا شك أن عبد، وأعبد بمعنى : أنف، أو غضب ثابت في لغة العرب، وكفى بنقل هؤلاء الأئمة حجة، ولكن جعل ما في القرآن من هذا من التكلف الذي لا ملجىء إليه، ومن التعسف الواضح.
وقد ردّ ابن عرفة ما قالوه فقال : إنما يقال عبد يعبد، فهو : عبد، وقلّ ما يقال : عابد، والقرآن لا يأتي بالقليل من اللغة، ولا الشاذ.