﴿إِنَّا أنزلناه فِي لَيْلَةِ القدر﴾ [ القدر : ١ ] وهاهنا قال :﴿إِنَّا أنزلناه فِي لَيْلَةٍ مباركة﴾ فوجب أن تكون هذه الليلة المباركة هي تلك المسماة بليلة القدر، لئلا يلزم التناقض وثانيها : أنه تعالى قال :﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الذي أُنزِلَ فِيهِ القرآن﴾ [ البقرة : ١٨٥ ] فبيّن أن إنزال القرآن إنما وقع في شهر رمضان، وقال هاهنا ﴿إِنَّا أنزلناه فِي لَيْلَةٍ مباركة﴾ فوجب بأن تكون هذه الليلة واقعة في شهر رمضان، وكل من قال إن هذه الليلة المباركة واقعة في شهر رمضان، قال إنها ليلة القدر، فثبت أنها ليلة القدر وثالثها : أنه تعالى قال في صفة ليلة القدر ﴿تَنَزَّلُ الملائكة والروح فِيهَا بِإِذْنِ رَبّهِم مّن كُلّ أَمْرٍ * سلام هِيَ﴾ [ القدر : ٤، ٥ ] وقال أيضاً ههنا ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ وهذا مناسب لقوله ﴿تَنَزَّلُ الملائكة والروح فِيهَا﴾ وههنا قال :﴿أَمْراً مّنْ عِنْدِنَا﴾ وقال في تلك الآية ﴿بِإِذْنِ رَبّهِم مّن كُلّ أَمْرٍ﴾ وقال ههنا ﴿رَحْمَةً مّن رَّبّكَ﴾ وقال في تلك الآية ﴿سلام هِيَ﴾ وإذا تقاربت الأوصاف وجب القول بأن إحدى الليلتين هي الأخرى ورابعها : نقل محمد بن جرير الطبري في "تفسيره" : عن قتادة أنه قال : نزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من رمضان، والتوراة لست ليال منه، والزبور لاثنتي عشرة ليلة مضت منه، والإنجيل لثمان عشرة ليلة مضت منه، والقرآن لأربع وعشرين ليلة مضت من رمضان، والليلة المباركة هي ليلة القدر وخامسها : أن ليلة القدر إنما سميت بهذا الاسم، لأن قدرها وشرفها عند الله عظيم، ومعلوم أنه ليس قدرها وشرفها لسبب ذلك الزمان، لأن الزمان شيء واحد في الذات والصفات، فيمتنع كون بعضه أشرف من بعض لذاته، فثبت أن شرفه وقدره بسبب أنه حصل فيه أمور شريفة عالية لها قدر عظيم ومرتبة رفيعة، ومعلوم أن منصب الدين أعلى وأعظم من منصب الدنيا، وأعلى الأشياء وأشرفها منصباً في


الصفحة التالية
Icon