وأما النوع الثاني : وهو بيان شرفه لأجل شرف الوقت الذي أنزل فيه فهو قوله ﴿إِنَّا أنزلناه فِى لَيْلَةٍ مباركة﴾ وهذا تنبيه على أن نزوله في ليلة مباركة يقتضي شرفه وجلالته، ثم نقول إن قوله ﴿إِنَّا أنزلناه فِى لَيْلَةٍ مباركة﴾ يقتضي أمرين : أحدها : أنه تعالى أنزله والثاني : كون تلك الليلة مباركة فذكر تعالى عقيب هذه الكلمة ما يجرى مجرى البيان لكل واحد منهما، أما بيان أنه تعالى لم أنزله فهو قوله ﴿إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ﴾ يعني الحكمة في إنزال هذه السورة أن إنذار الخلق لا يتم إلا به، وأما بيان أن هذه الليلة ليلة مباركة فهو أمران : أحدهما : أنه تعالى يفرق فيها كل أمر حكيم، والثاني : أن ذلك الأمر الحكيم مخصوصاً بشرف أنه إنما يظهر من عنده، وإليه الإشارة بقوله ﴿أَمْراً مّنْ عِنْدِنَا ﴾.
وأما النوع الثالث : فهو بيان شرف القرآن لشرف منزله وذلك هو قوله ﴿إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ﴾ فبيّن أن ذلك الإنذار والإرسال إنما حصل من الله تعالى، ثم بيّن أن ذلك الإرسال إنما كان لأجل تكميل الرحمة وهو قوله ﴿رَحْمَةً مّن رَّبّكَ﴾ وكان الواجب أن يقال رحمة منا إلا أنه وضع الظاهر موضع المضمر إيذاناً بأن الربوبية تقتضي الرحمة على المربوبين، ثم بيّن أن تلك الرحمة وقعت على وفق حاجات المحتاجين لأنه تعالى يسمع تضرعاتهم، ويعلم أنواع حاجاتهم، فلهذا قال :﴿إِنَّهُ هُوَ السميع العليم﴾ فهذا ما خطر بالبال في كيفية تعلق بعض هذه الآيات ببعض.
المسألة الثامنة :