﴿ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ﴾ استئناف أيضاً لبيان التخصيص بالليلة المباركة فكأنه قيل : أنزلناه لأن من شأننا الإنذار والتحذير من العقاب وكان إنزاله في تلك الليلة المباركة لأنه من الأمور الدالة على الحكم البالغة وهي ليلة يفرق فيها كل أمر حكيم ففي الكلام لف ونشر، واشتراط أن يكون كل منهما بجملتين مستقلتين مما لا داعي إليه، وقيل : إن جملة ﴿ فِيهَا يُفْرَقُ ﴾ الخ صفة أخرى لليلة وما بينهما اعتراض لا يضر الفصل به بل لا يعد الفصل به فصلاً، وقيل إن قوله تعالى :﴿ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ﴾ [ الدخان : ٣ ] هو جواب القسم وما بينهما اعتراض وإليه ذهب ابن عطية زاعماً أنه لا يجوز جعل ﴿ إِنَّا أنزلناه ﴾ [ الدخان : ٣ ] جواباً له لما فيه من القسم بالشيء على نفسه.
واعترض بأن قوله تعالى :﴿ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ﴾ يكون حينئذ من تتمة الاعتراض فلا يحسن تأخره عن المقسم عليه ولا يدفعه أن هذه الجملة مستأنفة لا صفة أخرى لأنه استئناف بياني متعلق بما قبل كما سمعت آنفاً فلا يليق الفصل أيضاً كما لا يخفى على من له ذوق سليم، وما ذكر من حديث القسم بالشيء على نفسه فقد أشرنا إلى جوابه، وقيل أن قوله سبحانه :﴿ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ﴾ جواب آخر للقسم وفيه تعدد المقسم عليه من غير عطف ولم نر من تعرض له، ومعنى يفرق ويفصل ويلخص، والحكيم بمعنى المحكم لأنه لا يبدل ولا يغير بعد إبرازه للملائكة عليهم السلام بخلافه قبله وهو في اللوح فإن الله تعالى يمحو منه ما يشاء ويثبت.
وجوز أن يكون بمعنى المحكوم به ونسبته إلى الأمر عليها حقيقة، ويجوز أن يكون المعنى كل أمر ملتبس بالحكمة والأصل حكيم صاحبه فتجوز في النسبة، وقيل : إن حكيم للنسبة كتامر ولابن وقد أبهم سبحانه هذا الأمر.
وأخرج محمد بن نصر.
وابن المنذر.