ولنرجع إلى التفسير فنقول قوله تعالى :﴿يَوْمَ تَأْتِي السماء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ﴾ أي ظاهر الحال لا يشك أحد في أنه دخان يغشي الناس أي يشملهم وهو في محل الجر صفة لقوله ﴿بِدُخَانٍ﴾ وفي قوله ﴿هذا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ قولان الأول : أنه منصوب لمحل بفعل مضمر وهو يقولون ويقولون منصوب على الحال أي قائلين ذلك الثاني : قال الجرجاني صاحب "النظم" هذا إشارة إليه وإخبار عن دنوه واقترابه كما يقال هذا العدو فاستقبله والغرض منه التنبيه على القرب.
ثم قال :﴿رَّبَّنَا اكشف عَنَّا العذاب﴾ فإن قلنا التقدير : يقولون هذا عذاب أليم ربنا اكشف عنا العذاب فالمعنى ظاهر وإن لم يضمر القول هناك أضمرناه ههنا والعذاب على القول الأول هو القحط الشديد، وعلى القول الثاني الدخان المهلك ﴿إِنَّا مْؤْمِنُونَ﴾ أي بمحمد وبالقرآن، والمراد منه الوعيد بالإيمان إن كشف عنهم العذاب.
ثم قال تعالى :﴿أنى لَهُمُ الذكرى﴾ يعني كيف يتذكرون وكيف يتعظون بهذه الحالة وقد جاءهم ما هو أعظم وأدخل في وجوب الطاعة وهو ما ظهر على رسول الله من المعجزات القاهرة والبينات الباهرة ﴿ثُمَّ تَوَلَّوْاْ عَنْهُ﴾ ولم يلتفتوا إليه ﴿وَقَالُواْ مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ﴾ وذلك لأن كفار مكة كان لهم في ظهور القرآن على محمد عليه الصلاة والسلام قولان منهم من كان يقول إن محمداً يتعلم هذه الكلمات من بعض الناس لقوله ﴿إِنَّمَا يُعَلّمُهُ بَشَرٌ لّسَانُ الذي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ﴾ [ النحل : ١٠٣ ] وكقوله تعالى :﴿وأعانه عليه قومٌ آخرون﴾ [ الفرقان : ٤ ] ومنهم من كان يقول إنه مجنون والجن يلقون عليه هذه الكلمات حال ما يعرض له الغشي.


الصفحة التالية
Icon