﴿والكتاب﴾ أي الجامع لكل خير ﴿المبين﴾ أي البين في نفسه، الموضح لما تقدم من دقيق البشارة لأهل الصفاء والبصارة، واضح النذارة بصريح العبارة، وغير ذلك من كل ما يراد منه، ولأجل ما ذكر من الاستبعاد أكد جواب القسم وأتى به في مظهر العظمة فقال :﴿إنا﴾ أي بما لنا من العظمة ﴿أنزلناه﴾ أي الكتاب إما جميعاً إلى بيت العزة في سماء الدنيا أو ابتدأنا إنزاله إلى الأرض ﴿في ليلة مباركة﴾ أي ليلة القدر - قاله ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ أو النصف من شعبان، فلذلك يتأثر عنه من التأثيرات ما لم تحط به الأفهام في الدين والدنيا، قال الأستاذ أبو القاسم القشيري : ينزل إلى سماء الدنيا كل سنة بمقدار ما كان جبريل عليه السلام ينزله على الرسول ـ ﷺ ـ في تلك السنة وسماها ﴿مباركة﴾ لأنها ليلة افتتاح الوصلة وأشد الليالي بركة يكون العبد فيها حاضراً بقلبه مشاهداً لربه، يتنعم فيها بأنوار الوصلة ويجد فيها نسيم القربة، وقال الرازي في اللوامع : وأعظم الليالي بركة ما كوشف فيها بحقائق الأشياء.
ولما كان هذا موضحاً لما لوح به آخر تلك من البشارة في ظاهر النذارة، علل الإنزال أو استأنف ما فيه من واضح النذارة الموصل إلى المعاني المقتضية للبشارة، فقال مؤكداً لأجل تكذيبهم :﴿إنا﴾ أي على ما نحن عليه من الجلال ﴿كنا﴾ بما لنا من العظمة دائماً لعبادنا ﴿منذرين﴾ لا نؤاخذهم من غير إنذار، فلأجل رحمتنا لهؤلاء القوم وهم أرق الناس طبعاً وأصفاهم قلوباً وأوعاهم سمعاً نوصلهم بما هيأناهم به من ذلك إلى ما لم يصل غيرهم إليه ولم يقاربه من المعالي في الأخلاق والشمائل والاكتساب لجميع الفضائل.