ولما كان وصف الأثماء بما لهم من القبض الشاغل لكل منهم عن نفسه وغيره بعد ما تقدم في الزخرف في آية الأخلاء ما أعلم بكونهم مدابرين وصف أضدادهم بما لهم من البسط مع الاجتماع فقال :﴿متقابلين﴾ أي ليس منهم أحد يدابر الآخر لا حساً ولا معنى، وود أن كلاًّ منهم يقابل الآخر ناظراً إليه، فإذا أرادوا النساء حالت الستور بينهم.
ولما كان هذا أمراً يبهر العقل، فلا يكاد يتصوره، قال مؤكداً له :﴿كذلك﴾ أي الأمر كما ذكرنا سواء لا مرية فيه.
ولما كان ذلك لا يتم السرور به إلا بالأزواج قال :﴿وزوجناهم﴾ أي قرناهم كما تقرن الأزواج، وليس المراد به العقد لأنه فعل متعد بنفسه وهو لا يكون في الجنة لأن فائدته الحل، والجنة ليست بدار كلفة من تحليل أو تحريم، وذكر مظهر العظمة تنبيهاً على كمال الشرف ﴿بحور﴾ أي على حسب التوزيع بجواري بيض حسان نقيات الثياب ﴿عين﴾ أي واسعات الأعين.
ولما كان الإنسان في الدنيا يخشى كلفة النفقات، وصف ما هنالك من سعة الخيرات فقال :﴿يدعون﴾ أي يطلبون طلباً هو بغاية المسرة ﴿فيها بكل﴾ لا يمتنع عليهم صنف من الأصناف ببعد مكان ولا فقد أوان، ولا غير ذلك من الشأن، وقال :﴿فاكهة﴾ إيذاناً بأن ذلك مع سعته ليس فيها شيء لإقامة البينة وإنما هو للفتكه ومجرد التلذذ.
ولما كان التوسع في التلذذ يخشى منه غوائل جمة قال :﴿آمنين﴾ أي وهم في غاية الأمن من كل مخوف.
ولما ذكر الأمان، وكان أخوف ما يخاف أهل الدنيا الموت، قال :﴿لا يذوقون فيها﴾ أي الجنة ﴿الموت﴾ أي لا يتجدد لهم أوائل استطعامه فكيف بما وراء ذلك.