السؤال الأول : أنهم ما ذاقوا الموتة الأولى في الجنة فكيف حسن هذا الاستثناء ؟ وأجيب عنه من وجوه الأول : قال صاحب "الكشاف" أريد أن يقال : لا يذوقون فيها الموت ألبتة فوضع قوله ﴿إِلاَّ الموتة الأولى﴾ موضع ذلك لأن الموتة الماضية محال في المستقبل، فهو من باب التعليق بالمحال، كأنه قيل إن كانت الموتة الأولى يمكن ذوقها في المستقبل فإنهم يذوقونها الثاني : أن إلا بمعنى لكن والتقدير لا يذوقون فيها الموت لكن الموتة الأولى قد ذاقوها والثالث : أن الجنة حقيقتها ابتهاج النفس وفرحها بمعرفة الله تعالى وبطاعته ومحبته، وإذا كان الأمر كذلك فإن الإنسان الذي فاز بهذه السعادة فهو في الدنيا في الجنة وفي الآخرة أيضاً في الجنة، وإذا كان الأمر كذلك فقد وقعت الموتة الأولى حين كان الإنسان في الجنة الحقيقية التي هي جنة المعرفة بالله والمحبة، فذكر هذا الاستثناء كالتنبيه على قولنا إن الجنة الحقيقية هي حصول هذه الحالة لا الدار التي هي دار الأكل والشرب، ولهذا السبب قال عليه السلام :" أنبياء الله لا يموتون ولكن ينقلون من دار إلى دار " والرابع : أن من جرب شيئاً ووقف عليه صح أن يقال إنه ذاقه، وإذا صح أن يسمى العلم بالذوق صح أن يسمى تذكره أيضاً بالذوق فقوله ﴿لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الموت إِلاَّ الموتة الأولى﴾ يعني إلا الذوق الحاصل بسبب تذكر الموتة الأولى.
السؤال الثاني : أليس أن أهل النار أيضاً لا يموتون فلم بشر أهل الجنة بهذا مع أهل النار يشاركونهم فيه ؟ والجواب : أن البشارة ما وقعت بدوام الحياة مع سابقة حصول تلك الخيرات والسعادات فظهر الفرق.