ثم قال تعالى :﴿وءاتيناهم مِنَ الآيات﴾ مثل فلق البحر، وتظليل الغمام، وإنزال المن والسلوى، وغيرها من الآيات القاهرة التي ما أظهر الله مثلها على أحد سواهم ﴿بلاء مبين﴾ أي نعمة ظاهرة، لأنه تعالى لما كان يبلو بالمحنة فقد يبلو أيضاً بالنعمة اختباراً ظاهراً ليتميز الصديق عن الزنديق، وهاهنا آخر الكلام في قصة موسى عليه السلام ثم رجع إلى ذكر كفار مكة، وذلك لأن الكلام فيهم حيث قال :﴿بَلْ هُمْ فِي شَكّ يَلْعَبُونَ﴾ أي بل هم في شك من البعث والقيامة، ثم بيّن كيفية إصرارهم على كفرهم، ثم بيّن أن قوم فرعون كانوا في الإصرار على الكفر على هذه القصة، ثم بيّن كيف أهلكهم وكيف أنعم على بني إسرائيل، ثم رجع إلى الحديث الأول، وهو كون كفار مكة منكرين للبعث، فقال :﴿إِنَّ هَؤُلاَء لَيَقُولُونَ * إِنْ هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا الأولى وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ﴾ فإن قيل القوم كانوا ينكرون الحياة الثانية فكان من حقهم أن يقولوا : إن هي إلا حياتنا الأولى وما نحن بمنشرين ؟ قلنا إنه قيل لهم إنكم تموتون موتة تعقبها حياة، كما أنكم حال كونكم نطفاً كنتم أمواتاً وقد تعقبها حياة، وذلك قوله ﴿وَكُنتُمْ أمواتا فأحياكم ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ فَقَالُواْ إِنْ هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا الأولى﴾ يريدون ما الموتة التي من شأنها أن تعقبها حياة إلا الموتة الأولى دون الموتة الثانية، وما هذه الصفة التي تصفون بها الموتة من تعقيب الحياة لها إلا الموتة الأولى خاصة، فلا فرق إذاً بين هذا الكلام وبين قوله ﴿إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدنيا﴾ هذا ما ذكره صاحب "الكشاف" : ويمكن أن يذكر فيه وجه آخر، فيقال قوله ﴿إِنْ هِىَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا الأولى﴾ يعني أنه لا يأتينا شيء من الأحوال إلا الموتة الأولى، وهذا الكلام يدل على أنهم لا تأتيهم الحياة الثانية ألبتة، ثم صرحوا بهذا المرموز فقالوا {وَمَا نَحْنُ