ولما كان المعنى : وليس وراءها حياة، أكدوه بما يفهمه تصريحاً فقالوا برد ما أثبته الله على لسان رسوله ـ ﷺ ـ :﴿وما نحن﴾ وأكدوا النفي فقالوا :﴿بمنشرين﴾ أي من منشر ما بالبعث بحيث نصير ذوي حركة اختيارية ننتشر بها بعد الموت، يقال : نشره وأنشره - إذا أحياه.
ولما كانوا يزعموه أن دعوى الإحياء لا يصح إلا إذا شاهدوا أحداً من الأموات الذين يعرفونه حياً بعد أن تمزق جلده وعظامه، سببوا عن إنكارهم مخاطبين للنبي ـ ﷺ ـ ومن تبعه :﴿فأتوا﴾ أي أيها الزاعمون أنا نبعث بعد الموت إيذاناً بأنهم لا يصدقون بذلك وإن كثر معتقدوه من جنس بشرهم وتبعهم ﴿بآبائنا﴾ أي لكوننا نعرفهم ونعرف وفور عقولهم فلا نشك في أن ذلك إحياء لمن مات ليكون ذلك آية لنا على البعث، وأكدوا تكذيبهم بقوله :﴿إن كنتم صادقين﴾ أي ثابتاً صدقكم.
ولما أخبروا على هذه العظمة تنطعاً لأنها لو وقعت لم يكن بأدل على ثبوت النبوة المستلزمة لتصديق كل ما يقول لهم الرسول ـ ﷺ ـ وما يأتيهم به من الآيات، غير خائفين من الله وهم يعلمون قدرته وإهلاكه للماضين لأجل تكذيب الرسل عليهم الصلاة والسلام، وكأنهم يدعون خصوصيته في مكنة من عين أو معنى ينجون بها من مساواة من قبلهم في ذلك، فقال تعالى منكراً عليهم :﴿أهم خير﴾ أي في الدين والدنيا ﴿أم قوم تبع﴾ أي الذين ملك بهم تبع الأرض بطولها والعرض وحيرة الحيرة وبنى قصر سمرقند وكان مؤمناً، وقومه حمير ومن تبعهم أقرب المهلكين إلى قريش زماناً ومكاناً.
وكان له بمكة المشرفة ما ليس لغيره من الآثار، وقال الرازي في اللوامع : هو أول من كسا البيت ونحر بالشعب ستة آلاف بدنة وأقام به ستة أيام وطاف به وحلق.