وقال الشيخ سيد قطب :
تعريف بسورة الجاثية
هذه السورة المكية تصور جانباً من استقبال المشركين للدعوة الإسلامية، وطريقتهم في مواجهة حججها وآياتها، وتعنتهم في مواجهة حقائقها وقضاياها، واتباعهم للهوى اتباعاً كاملاً في غير ما تحرج من حق واضح أو برهان ذي سلطان. كذلك تصور كيف كان القرآن يعالج قلوبهم الجامحة الشاردة مع الهوى، المغلقة دون الهدى ; وهو يواجهها بآيات الله القاطعة العميقة التأثير والدلالة، ويذكرهم عذابه، ويصور لهم ثوابه، ويقرر لهم سننه، ويعرفهم بنواميسه الماضية في هذا الوجود.
ومن خلال آيات السورة وتصويرها للقوم الذين واجهوا الدعوة في مكة، نرى فريقاً من الناس مصرا على الضلالة، مكابراً في الحق، شديد العناد، سيىء الأدب في حق الله وحق كلامه، ترسمه هذه الآيات، وتواجهه بما يستحقه من الترذيل والتحذير والتهديد بعذاب الله المهين الأليم العظيم:
(ويل لكل أفاك أثيم. يسمع آيات الله تتلى عليه، ثم يصر مستكبراً كأن لم يسمعها، فبشره بعذاب أليم. وإذا علم من آياتنا شيئاً اتخذها هزواً، أولئك لهم عذاب مهين. من ورائهم جهنم، ولا يغني عنهم ما كسبوا شيئاً ولا ما اتخذوا من دون الله أولياء ولهم عذاب عظيم)..
ونرى جماعة من الناس، ربما كانوا من أهل الكتاب سيئي التصور والتقدير ; لا يقيمون وزناً لحقيقة الإيمان الخالصة، ولا يحسون بالفارق الأصيل بينهم وهم يعملون السيئات وبين المؤمنين الذين يعملون الصالحات. والقرآن يشعرهم بأن هناك فارقاً أصيلاً في ميزان الله بين الفريقين، ويقرر سوء حكمهم وسوء تصورهم للأمور ; وقيام الأمر في ميزان الله على العدل الأصيل في صلب الوجود كله منذ بدء الخلق والتكوين:


الصفحة التالية
Icon