قال تعالى "فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ" ٣٦ إخبار مراد منه الإنشاء أي احمدوا ربكم أيها الناس ومجدوه وعظموه لأنه ربكم ورب كل شيء "وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ" فكبروه وعزروه وحق للرب أن يعظم ويمجد ويكبر ويحمد "وَهُوَ الْعَزِيزُ" الغالب في الانتقام من أعدائه البليغ في النصرة لأوليائه "الْحَكِيمُ" ٣٧ في أحكامه وإحكامه.
وقد ختمت هذه السورة بمثل ما بدئت به من الصفتين الجليلتين كما هو شأن كثير من السور، وتفيد هذه الصفات أن الكمال كله في القدرة والرحمة والحكمة ليس إلا للّه وأن لا متّصف بكمال هذه الصفات غير الإله العظيم الكبير في سمواته وأرضه، المتصرف بما فيهما، ويوجد سورتان مختومتان بهذه اللفظة، الحشر والتغابن، روى مسلم عن أبي سعيد وأبي هريرة قالا : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم : العزّ إزاره والكبرياء رداؤه، فمن ينازعه عذبه.
وأخرج الرقاق وأبو مسعود عنهما : يقول اللّه عز وجل العزّ إزاري والكبرياء ردائي، فمن نازعني في واحد منهما قذفته في النار.
وهذا مخرج على ما تعتاده العرب في بديع استعارتهم، وذلك أنهم يكنون عن الصفة اللازمة بالثوب، فيقولون شعاره التقوى ولباسه الزهد، فضرب اللّه عز وجل بالإزار والرداء مثلا له جل شأنه في
انفراده في صفة الكبرياء والعظمة.
وفي هذا إعلام بأنهما ليسا كسائر الصفات التي يتصف بها بعض المخلوقين مجازا كالرحمة والكرم وغيرهما، وشبههما بذلك لأن المتصف بهما يشملانه كما يشمل الرداء الإنسان، ولأنه لا يشاركه في ردائه وإزاره أحد، فكذلك اللّه تعالى لا ينبغي أن