وارادة فهم أن يبطش به بعد الهجرة لأن المسلمين بمكة قبلها عاجزون مقهورون لا يمكنهم الانتصار من المشركين والعاجز لا يأمر بالعفو والصفح غير ظاهر محتاج إلى نقل، ودوام عجز كل من المسلمين غير معلوم بل من وقف على أحوال أبي حفص رضي الله تعالى عنه لا يتوقف في أنه قادر على ما هم به لا يبالي بما يترتب عليه.
وهذا أولى في الجواب من أن يقال : إن الأمر بفعل ذلك بينه وبين الله تعالى بقلبه ليثاب عليه، نعم قيل : إن النبي ﷺ وأصحابه نزلوا في غزوة بني المصطلق على بئر يقال له المريسيع فأرسل ابن أبي غلامه ليستقي فأبطأ عليه فلما أتاه قال له : ما حبسك؟ قال : غلام عمر قعد على طرف البئر فما ترك أحداً يستقي حتى ملأ قرب النبي ﷺ وقرب أبي بكر رضي الله تعالى عنه قال ابن أبي : ما مثلنا ومثل هؤلاء إلا كما قيل سمن كلبك بأكلك فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه فاشتمل سيفه يريد التوجه إليه فأنزل الله تعالى الآية ؛ وحكاه الإمام عن ابن عباس وهو يدل على أنها مدنية، وكذا ما روي عن ميمون بن مهران قال : إن فنحاصا اليهودي قال : لما أنزل الله تعالى :﴿ مَّن ذَا الذى يُقْرِضُ الله قَرْضًا حَسَنًا ﴾ [ البقرة : ٢٤٥ ] احتاج رب محمد فسمع بذلك عمر رضي الله تعالى عنه فاشتمل سيفه وخرج فبعث النبي ﷺ في طلبه حتى رده ونزلت الآية ليَجْزيَ قَوْماً بمعا كَانُوا يعكْسبُونَ } تعليل للأمر بالمغفرة، وجوز أن يكون تعليلاً للأمر بالقول لأنه سبب لامتثالهم المجازي عليه، والمراد بالقوم المؤمنون الغافرون والتكير للتعظيم، ولفظ القوم في نفسه اسم مدح على ما يرشد إليه الاشتقاق والاستعمال في نحو يا ابن القوم.