قال القرطبي والسدي : نزلت في ناس من أصحاب رسول الله ﷺ من أهل مكة أصابهم أذى شديد من المشركين فشكوا ذلك إلى النبي ﷺ فأمرهم الله بالتجاوز عن ذلك لمصلحة في استبقاء الهدوء بمكة والمتاركة بين المسلمين والمشركين ففي ذلك مصالح جمّة من شيوع القرآن بين أهل مكة وبين القبائل النازلين حولها فإن شيوعه لا يخلو من أن يأخذ بمجامع قلوبهم بالرغم على ما يبدونه من إِعراض واستكبار واستهزاء فتتهَيَّأ نفوسهم إلى الدخول في الدين عند زوال ممانعة سادتهم بعد هجرة النبي ﷺ إلى المدينة وبعد استئصال صناديد قريش يوم بدر.
وقد تكرر في القرآن مثل هذا من الأمر بالصفح عن المشركين والعفو عنهم والإعراض عن أذاهم، ولكن كان أكثر الآيات أمراً للنبيء ﷺ في نفسه وكانت هذه أمراً له بأن يبلغ للمؤمنين ذلك، وذلك يشعر بأن الآية نزلت في وقت كان المسلمون قد كثروا فيه وأحسّوا بعزتهم.
فأمروا بالعفو وأن يكلوا أمر نصرهم إلى الله تعالى، وإن كانت نزلت على سبب خاص عرض في أثناء نزول السورة فمناسبتها لأغراض السورة واضحة لأنها تعليم لما يصلح به مقام المسلمين بمكة بين المضادين لهم واحتمال ما يلاقونه من صَلفهم وتجبرهم إلى أن يقضي الله بينهم.
وقد روي في سبب نزولها أخبار متفاوتة الضعف، فروى مكي بن أبي طالب أن رجلاً من المشركين شتم عمر بن الخطاب فَهَمّ أن يبطش به قال ابن العربي :"وهذا لم يصح".
وفي "الكشاف" أن عمر شتمه رجل من غِفار فَهَمَّ أن يبطش به فنزلت.
وعن سعيد بن المسيب "كنا بين يدي عمر بن الخطاب فقرأ قارىء هذه الآية فقال عمر : ليَجزِيَ عُمَرَ بما صنع" يعني أنه سبب نزول الآية.
وروى الواحدي والقشيري عن ابن عباس : إنها نزلت في غزوة بني المصطلق : نزلوا على بئر يقال لها : المُرَيْسِيع فأرسَل عبدُ الله بن أُبَيّ غلامه ليستقي من البئر فأبطأ، فلما أتاه قال : ما حسبك.