﴿إن ربك﴾ أي المحسن إليك بإرسالك وتكثير أمتك وحفظهم مما ضل به القرون الأولى وبيان يوم الفصل الذي هو محط الحكمة بياناً لم يبينه على لسان أحد ممن سلف ﴿يقضي بينهم﴾ بإحصاء الأعمال والجزاء عليها، لأن هذا مقتضى الحكمة والعزة ﴿يوم القيامة﴾ الذي ينكره قومك الذين شرفناهم برسالتك مع أنه لايجوز في الحكمة إنكاره ﴿فيما كانوا﴾ أي بما هو لهم كالجبلة ﴿فيه يختلفون﴾ بغاية الجهد متعمدين له بخلاف ما كان يقع منهم خطأ فإنه يجوز في الحكمة أن يتفضل عليهم بالعفو عنه فقد علم أنه لا يجوز في الحكمة أصلاً أن يترك المختلفون من غير حكم بينهم لأن هذا لا يرضاه أقل الملوك فإنه لايعرف الملك إلا بالقهر والعزة ولا يعرف كونه حكيماً إلا بالعدل، وإذا كان هذا لا يرضاه ملك فكيف يرضاه ملك الملوك، وإذا كان هذا القضاء مقتضى الحكمة كان لا فرق فيه بين ناس وناس، فهو يقتضي بينكم أيضاً كذلك، ومن التأكيد للوعد بذلك اليوم التعبير باسم الرب مضافاً إليه ـ ﷺ ـ.
ولما كان معنى هذا أنه سبحانه وتعالى جعل بني إسرائيل على شريعة وهددهم على الخلاف فيها، فكان تهديدهم تهديداً لنا، قال مصرحاً بما اقتضاه سوق الكلام وغيره من تهديدنا منبهاً على علو شريعتنا :﴿ثم﴾ أي بعد فترة من رسلهم ومجاوزة رتب كثيرة عالية على رتبة شريعتهم ﴿جعلناك﴾ أي بعظمتنا ﴿على شريعة﴾ أي طريقة واسعة عظيمة ظاهرة مستقيمة سهلة موصلة إلى المقصود هي جديرة بأن يشرع الناس فيها ويخالطوها مبتدئة ﴿من الأمر﴾ الذي هو وحينا وهو حياة الأرواح كما أن الأرواح حياة الأشباح.
ولما بين بهذه العبارة بعض فضلها على ما كان قبلها، سبب عنه قوله موجهاً الخطاب إلى الإمام بما أراد به المأمومين ليكون أدعى إلى اجتهادهم، فإن أمرهم تكليف وأمر إمامهم تكوين :﴿فاتبعها﴾ أي بغاية جهدك.


الصفحة التالية
Icon