وقال أبو حيان فى الآيات السابقة :
﴿ حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (٢) ﴾
هذه السورة مكية، قال ابن عطية : بلا خلاف، وذكر الماوردي : إلا ﴿ قل للذين آمنوا يغفروا ﴾ الآية، فمدنية نزلت في عمر بن الخطاب.
قال ابن عباس، وقتادة، وقال النحاس، والمهدوي، عن ابن عباس : نزلت في عمر : شتمه مشرك بمكة قبل الهجرة، فأراد أن يبطش به، فنزلت.
ومناسبة أولها لآخر ما قبلها في غاية الوضوح.
قال :﴿ فإنما يسرناه بلسانك ﴾ وقال :﴿ حم تنزيل الكتاب ﴾، وتقدم الكلام على ﴿ تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم ﴾ أول الزمر.
وقال أبو عبد الله الرازي : وقوله :﴿ العزيز الحكيم ﴾، يجوز جعله صفة لله، فيكون ذلك حقيقة ؛ ﴿ وإن جعلناه ﴾ صفة للكتاب، كان ذلك مجازاً ؛ والحقيقة أولى من المجاز، مع أن زيادة القرب توجب الرجحان. انتهى.
وهذا الذي ردّد في قوله :﴿ وإن جعلناه ﴾ صفة للكتاب لا يجوز.
لو كان صفة للكتاب لوليه، فكان يكون التركيب : تنزيل الكتاب العزيز الحكيم من الله، لأن من الله، إما أن يكون متعلقاً بتنزيل، وتنزيل خبر لحم، أو لمبتدأ محذوف، فلا يجوز الفصل به بين الصفة والموصوف، لا يجوز أعجبني ضرب زيد سوط الفاضل ؛ أو في موضع الخبر، وتنزيل مبتدأ، فلا يجوز الفصل بين الصفة والموصوف أيضاً، لا يجوز ضرب زيد شديد الفاضل، والتركيب الصحيح في نحو هذا أن يلي الصفة موصوفها.
﴿ إن في السموات والأرض ﴾، احتمل أن يريد : في خلق السموات، كقوله :﴿ وفي خلقكم ﴾، والظاهر أنه لا يراد التخصيص بالخلق، بل في السموات والأرض على الإطلاق والعموم، أي في أي شيء نظرت منهما من خلق وغيره، من تسخير وتنوير وغيرهما، ﴿ لآيات ﴾ : لم يأت بالآيات مفصلة، بل أتى بها مجملة، إحالة على غوامض يثيرها الفكر ويخبر بكثير منها الشرع.
وجعلها ﴿ للمؤمنين ﴾، إذ في ضمن الإيمان العقل والتصديق.


الصفحة التالية
Icon