اعلم إنه تعالى لما أفتى (١) بأن المؤمن لا يساوي الكافر في درجات السعادات، أتبعه بالدلالة الظاهرة على صحة هذه الفتوى، فقال :﴿وَخَلَقَ الله السموات والأرض بالحق﴾ ولو لم يوجد البحث لما كان ذلك بالحق بل كان بالباطل، لأنه تعالى لما خلق الظالم وسلّطه على المظلوم الضعيف، ثم لا ينتقم للمظلوم من الظالم كان ظالماً، ولو كان ظالماً لبطل أنه خلق السموات والأرض بالحق وتمام تقرير هذه الدلائل مذكور في أول سورة يونس، قال القاضي هذه الآية تدل على أن في مقدور الله ما لو حصل لكان ظلماً، وذلك لا يصح إلا على مذهب المجبرة الذين يقولون لو فعل كل شيء أراده لم يكن ظلماً، وعلى قول من يقول إنه لا يوصف بالقدرة على الظلم، وأجاب الأصحاب عنه بأن المراد فعل ما لو فعله غيره لكان ظلماً كما أن المراد من الابتلاء والاختبار فعل ما لو فعله غيره لكان ابتلاءً واختباراً، وقوله تعالى :﴿ولتجزى﴾ فيه وجهان : الأول : أنه معطوف على قوله ﴿بالحق﴾ فيكون التقدير وخلق الله السموات والأرض لأجل إظهار الحق ولتجزى كل نفس، الثاني : أن يكون العطف على محذوف، والتقدير : وخلق الله السموات والأرض بالحق ليدل بهما على قدرته ولتجزى كل نفس والمعنى أن المقصود من خلق هذا العلم إظهار العدل والرحمة، وذلك لا يتم إلا إذا حصل البعث والقيامة وحصل التفاوت في الدرجات والدركات بين المحقين وبين المبطلين، ثم عاد تعالى إلى شرح أحوال الكفار وقبائح طوائفهم، فقال :﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتخذ إلهه هَوَاهُ﴾ يعني تركوا متابعة الهدى وأقبلوا على متابعة الهوى فكانوا يعبدون الهوى كما يعبد الرجل إلهه، وقرىء ( آلهته هَوَاهُ ) كلما مال طبعه إلى شيء اتبعه وذهب خلفه، فكأنه اتخذ هواه آلهة شتى يعبد كل وقت واحداً منها.
التعبير بلفظ «أفتى» غير مناسب في حق اللّه تعالى وحقه أن يعبر به «قضى» أو «قدر» رعاية لمزيد الأدب.
أقول قد نسب لفظ الإفتاء إلى الله تعالى فى قوله تعالى ﴿ يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ ﴾