فالرأي السائد أنه علم شخص مدلوله تلك الآيات المنزلة الممتازة بخصائصها العليا من أول الفاتحة إلى آخر سورة الناس. وهذه الألفاظ المعينة لا يقدح في تشخصها اختلاف المتلفظين ولا تعدد القارئين كما لا يقدح في تشخص محمود مثلا أن يكون في مكة أو في المدينة ولا أن يتقلب في أطوار مختلفة من طفولة إلى شيخوخة ومن صحة إلى مرض ومن حياة إلى موت ونحو ذلك. وبعضهم يجعله علم جنس نظرا إلى تعدد هذه الألفاظ المنزلة بتعدد قارئيها وكاتبيها. وهذا مردود من وجهين :
أحدهما : أن علم الجنس ضرورة نحوية اقتضتها أحكام لفظية كامتناع إضافته ودخول أل عليه. ولا ضرورة هنا لفظية.
ثانيهما : أن علم الجنس نكرة في المعنى. وأفراده منتشرة متعددة حقيقة لا اعتبارا. والتعدد الملحوظ هنا اعتباري لا حقيقي. للقطع بأن ما يقرؤه أو يكتبه كل منا فهو القرآن عينه لا فرد من أفراده.
هل يصاغ للأعلام تعاريف
...
هل يصاغ للأعلام تعاريف
بقي علينا أن نتساءل : إذا كان القرآن علما فكيف ساغ أن يصاغ له تعريف بل تعاريف على نحو ما سبق مع أن التعاريف لا تكون إلا للكليات والعلم جزئي مركب من الماهية ومشخصاتها. والمشخصات لا يمكن معرفتها إلا بالاطلاع عليها بالحواس كالإشارة مثلا أو بالتعبير عنها باسم علم ؟
ولنا على ذلك أجوبة ثلاثة :
أولها : أنا نمنع أن التعاريف لا تكون إلا للكليات. لم لا يجوز أن تعرف الجزئيات بأمور كلية لا يتحقق مجموعها في الخارج إلا في هذا الشخص بخصوصه. وهذا الجواب قريب مما ذكره صاحب التلويح إذ قال : الحق أن الشخص يمكن أن يحد بما يفيد امتيازه عن جميع ما عداه بحسب الوجود لا بما يفيد تعينه وتشخصه بحيث لا يمكن اشتراكه بين كثيرين بحسب العقل. فإن ذلك إنما يحصل بالإشارة لا غير ا هـ.
ثانيها : أنا نسلم أن التعاريف لا تكون إلا للكليات. لكن ما ذكروه ليس بتعريف حقيقي إنما هو ضابط مميز وليس بمعرف.