وقال الفخر رحمه الله :
اعلم أنه تعالى لما أوجب بقوله :﴿فاذكرونى﴾ جميع العبادات، وبقوله :﴿واشكروا لِي﴾ ما يتصل بالشكر أردفه ببيان ما يعين عليهما فقال :﴿استعينوا بالصبر والصلاة﴾ وإنما خصهما بذلك لما فيهما من المعونة على العبادات، أما الصبر فهو قهر النفس على احتمال المكاره في ذات الله تعالى وتوطينها على تحمل المشاق وتجنب الجزع، ومن حمل نفسه وقلبه على هذا التذليل سهل عليه فعل الطاعات وتحمل مشاق العبادات، وتجنب المحظورات ومن الناس من حمل الصبر على الصوم، ومنهم من حمله على الجهاد لأنه تعالى ذكر بعده :﴿وَلاَ تَقُولُواْ لِمَن يُقْتَلُ فِى سَبيلِ الله﴾ [البقرة : ١٥٤] وأيضاً فلأنه تعالى أمر بالتثبت في الجهاد فقال :﴿إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فاثبتوا﴾ [الأنفال : ٤٥] وبالتثبت في الصلاة أي في الدعاء فقال :﴿وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغفر لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِى أَمْرِنَا وَثَبّتْ أَقْدَامَنَا وانصرنا عَلَى القوم الكافرين﴾ [آل عمران : ١٤٧].
إلا أن القول الذي اخترناه أولى لعموم اللفظ وعدم تقييده، والاستعانة بالصلاة لأنها يجب أن تفعل على طريق الخضوع والتذلل للمعبود والإخلاص له، ويجب أن يوفر همه وقلبه عليها وعلى ما يأتي فيها من قراءة فيتدبر الوعد والوعيد والترغيب والترهيب ومن سلك هذه الطريقة في الصلاة فقد ذلل نفسه لاحتمال المشقة فيما عداها من العبادات ولذلك قال :﴿إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر﴾ [العنكبوت : ٤٥] ولذلك نرى أهل الخير عند النوائب متفقين على الفزع إلى الصلاة، وروي أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٤صـ ١٦٨ ـ ١٦٩﴾


الصفحة التالية
Icon