وقف رجل على الشِّبْلِىّ فقال : أَىّ الصّبر أَشدّ على الصّابرين ؟ فقال : الصّبر فى الله. فقال السّائل : لا. قال : مع الله. قال : لا. قال : فأَيش ؟ قال : الصّبر عن الله. فصرخ الشِّبلىّ صَرخةً كادت نفسه تتلف.
وقال الجَريرىّ : الصّبر أَلاَّ تفرق بين حال النعمة وحال المحنة، مع سكون الخاطر فيهما. والتصبّر : السّكون مع البلاءِ، مع وِجدان أَثقال المحْنَة.
وقال أَبو على الدّقَّاق : فاز الصّابرون بعز الدّاريَين ؛ لأَنهم نالوا مع الله معيَّته ؛ فإِنَّ اللهَ مَعَ الصّابرين.
وقيل فى قوله :﴿اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ﴾، انتقال من الأَدنى إِلى الأَعلى. فالصبر دون المصابرة، والمصابرة دون المرابطة : مفاعلة من الرّبط وهو الشدّ. وسمّى المرابِط مرابطًا لأَنَّ المرابِطين
يربِطون خيولهم ينتظرون الفَزَع. ثمّ قيل لكلّ منتظر، قد ربط نفسه لطاعة ينتظرها : مرابِط. وقيل فى تفسيره : اصبروا بنفوسكم، وصابروا بقلوبكم على البَلْوَى فى الله، ورابطوا بأَسراركم على الشوق إِلى الله. وقيل : اصبروا فى الله، وصابروا بالله، ورابطوا مع الله لعلكم تفلحون فى دار البقاءِ. فالصبر مع نفسك، والمصابرة بينك وبين عدوّك، والمرابطة : الثبات وإِعداد العدّة ؛ كما أَن الرّباط ملازمة الثغر لئلاً يهجُمه العدوّ. فكذلك المرابَطة أَيضًا : لزوم ثَغْر القلب ؛ لئلاَّ يهجُم عليه الشيطان فيملكَه. أَو يُخربه أَو يشعِّثه.
وقيل : تَجَرَّعِ الصّبرَ، فإِنّْ قَتَلَك قتلك شهيدًا، وإِن أَحياك أَحياك عزيزًا حميدًا. وقيل : الصّبر لله عَناء، وبالله بقاء، وفى الله بلاء، ومع الله وفاء، وعن الله جفاء. والصّبر على الطَّلب عنوان الظَّفر، وفى المِحَن عنوان الفَرَج.