أحدها : الآيات الدالة على عذاب القبر، كقوله تعالى :﴿قَالُواْ رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثنتين وَأَحْيَيْتَنَا اثنتين﴾ [غافر : ١١] والموتتان لا تحصل إلا عند حصول الحياة في القبر، وقال الله تعالى :﴿أُغْرِقُواْ فَأُدْخِلُواْ نَاراً﴾ [نوح : ٢٥] والفاء للتعقيب، وقال :﴿النار يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة أَدْخِلُواْ ءَالَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ العذاب﴾ [غافر : ٤٦] وإذا ثبت عذاب القبر وجب القول بثواب القبر أيضاً لأن العذاب حق الله تعالى على العبد والثواب حق للعبد على الله تعالى، فاسقاط العقاب أحسن من إسقاط الثواب فحيثما أسقط العقاب إلى يوم القيامة بل حققه في القبر، كان ذلك في الثواب أولى.
وثانيها : أن المعنى لو كان على ما قيل في القول الثاني والثالث لم يكن لقوله :﴿وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ﴾ معنى لأن الخطاب للمؤمنين وقد كانوا لا يعلمون أنهم سيحيون يوم القيامة، وأنهم ماتوا على هدى ونور، فعلم أن الأمر على ما قلنا من أن الله تعالى أحياهم في قبورهم.
وثالثها : أن قوله :﴿وَيَسْتَبْشِرُونَ بالذين لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم﴾ [آل عمران : ١٧٠] دليل على حصول الحياة في البرزخ قبل البعث.
ورابعها : قوله عليه الصلاة والسلام :" القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران " والأخبار في ثواب القبر وعذابه كالمتواترة، وكان عليه الصلاة والسلام يقول في آخر صلاته :" وأعوذ بك من عذاب القبر " وخامسها : أنه لو كان المراد من قوله : أنهم أحياء أنهم سيحيون، فحينئذ لا يبقى لتخصيصهم بهذا فائدة، أجاب عنه أبو مسلم بأنه تعالى إنما خصهم بالذكر لأن درجتهم في الجنة أرفع ومنزلتهم أعلى وأشرف لقوله تعالى :﴿وَمَن يُطِعِ الله والرسول فأولئك مَعَ الذين أَنْعَمَ الله عَلَيْهِم مّنَ النبيين والصديقين والشهداء والصالحين﴾ [النساء : ٦٩] فأرادهم بالذكر تعظيماً.
واعلم أن هذا الجواب ضعيف وذلك لأن منزلة النبيين والصديقين أعظم مع أن الله تعالى ما خصهم بالذكر. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٤ صـ ١٣٣﴾
سؤال : فإن قيل : فنحن نراهم موتى، فما وجه النهي ؟
فالجواب أن المعنى : لا تقولوا : هم أموات لا تصل أرواحهم إلى الجنات، ولا تنال من تحف الله ما لا يناله الأحياء، بل هم أحياء، أرواحهم في حواصل طير خضر تسرح في الجنة، فهم أحياء من هذه الجهة، وإن كانوا أمواتاً من جهة خروج الأرواح، ذكره ابن الأنباري. أ هـ ﴿زاد المسير حـ ١ صـ ١٦١﴾