قال الحرالي : ومن التفت بقلبه في صلاته إلى غير ربه لم تنفعه وجهة وجه بدنه إلى الكعبة، لأن ذلك حكم حق حقيقته توجه القلب ومن التفت بقلبه إلى شيء من الخلق في صلاته فهو مثل الذي استدبر بوجهه عن شطر قبلته، فكما يتداعى الإجزاء الفقهي باستدبار الكعبة حساً فكذلك يتداعى القبول باستدبار وجه القلب عن الرب غيباً، فلذلك أقبل هذا الخطاب على الذين آمنوا والذين أسلموا، لأنه هو ﷺ مبرأ عن مثله - انتهى.
﴿ومن حيث خرجت﴾ أي من بقاع الأرض للصلاة بأمتك ﴿فول وجهك﴾ أي اجعله يلي ﴿شطر﴾ أي عين ﴿المسجد الحرام ﴾.
ولما تقرر بما تكرر أن هذا التحويل فرض قي حقه ﷺ حتم لا فتور عنه ولا رخصة فيه إلا ما استثنى في النفل أدخل معه أمته ليعمهم الحكم وربأ بمنصبه المنيف وقدره الشريف عن أن يكون لأحد عليه ما يسمى حجة بحق أو باطل فقال :﴿وحيث ما كنتم﴾ أي أيتها الأمة من جميع جهات الكعبة في جميع أقطار الأرض الدانية والقاصية.
قال الحرالي : وذكر في أمته بالكون لا بالخروج إشعاراً يتقاصر الأمة عن علو أحوال الأئمة وأن حال الأمة في خلوتهم كحالهم في جولتهم - انتهى.
﴿فولوا وجوهكم﴾ أي اجعلوها والية ﴿شطره﴾ للصلاة.
قال الحرالي : وفيه إشعار يلحظ صحة صلواتكم فرادى وفي بيوتكم، كما قال : إذا جئت فصل مع الناس وإن كنت قد صليت في أهلك، بخلافه هو ﷺ فإن صلاته لا تقع إلا جمعاً من حيث إنه يصلي لهم وأنه إمام لا تقع صلاته فذا - انتهى.
ولما كان ربما ظن أن الرجوع إلى القبلة الأولى يزيل الكلام بين سبحانه وتعالى أن الأمر بخلاف ذلك فقال :﴿لئلا يكون للناس﴾ أي لأحد منهم ﴿عليكم حجة﴾ بأن يقولوا : النبي المبشر به يستقبل بيت إبراهيم عليه الصلاة والسلام ثم لا يتحول عنه وهذا لم يفعل، أو يقولوا : ما جاء بشيء جديد وإنما هو تبع لنا في قبلتنا.