من فوائد الإمام الجصاص فى الآية
قال رحمه الله :
قَوْله تَعَالَى :﴿ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ﴾ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَحْتَجُّ بِهِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ.
وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ اللُّغَةِ فِي مَعْنَاهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ :" هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ وَمَعْنَاهُ : لَكِنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ يَتَعَلَّقُونَ بِالشُّبْهَةِ وَيَضَعُونَ مَوْضِعَ الْحُجَّةِ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ ﴾ مَعْنَاهُ : لَكِنْ اتِّبَاعُ الظَّنِّ، قَالَ النَّابِغَةُ : وَلَا عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أَنَّ سُيُوفَهُمْ بِهِنَّ فُلُولٌ مِنْ قِرَاعِ الْكَتَائِبِ مَعْنَاهُ : لَكِنْ بِسُيُوفِهِمْ فُلُولٌ، وَلَيْسَ بِعَيْبِ " وَقِيلَ فِيهِ :" إنَّهُ أَرَادَ بِالْحُجَّةِ الْمُحَاجَّةَ وَالْمُجَادَلَةَ، فَقَالَ : لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حِجَاجٌ إلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا فَإِنَّهُمْ يُحَاجُّونَكُمْ بِالْبَاطِلِ ".
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ :" إلَّا " هَاهُنَا بِمَعْنَى الْوَاوِ، وَكَأَنَّهُ قَالَ : لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ وَإِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا.
وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الْفَرَّاءُ وَأَكْثَرُ أَهْلِ اللُّغَةِ، قَالَ الْفَرَّاءُ : لَا تَجِيءُ " إلَّا " بِمَعْنَى الْوَاوِ إلَّا إذَا تَقَدَّمَ اسْتِثْنَاءٌ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ : مَا بِالْمَدِينَةِ دَارٌ غَيْرُ وَاحِدَةٍ دَارُ الْخَلِيفَةِ إلَّا دَارُ مَرْوَانَ كَأَنَّهُ قَالَ : مَا بِالْمَدِينَةِ دَارٌ إلَّا دَارُ الْخَلِيفَةِ وَدَارُ مَرْوَانَ.
وَقَالَ قُطْرُبٌ : مَعْنَاهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إلَّا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا.
وَأَنْكَرَ هَذَا بَعْضُ النُّحَاةِ. أ هـ ﴿أحكام القرآن للجصاص حـ ١ صـ ١١٣ ـ ١١٤﴾