وثالثها : أن يتفكروا في أسرار مخلوقات الله تعالى حتى تصير كل ذرة من ذرات المخلوقات كالمرآة المجلوة المحاذية لعالم القدس، فإذا نظر العبد إليها انعكس شعاع بصره منها إلى عالم الجلال وهذا المقام مقام لا نهاية له، أما ذكرهم إياه تعالى بجوارحهم، فهو أن تكون جوارحهم مستغرقة في الأعمال التي أمروا بها، وخالية عن الأعمال التي نهوا عنها، وعلى هذا الوجه سمى الله تعالى الصلاة ذكراً بقوله :﴿فاسعوا إلى ذِكْرِ الله﴾ فصار الأمر بقوله :﴿اذكروني﴾ متضمناً جميع الطاعات، فلهذا روي عن سعيد بن جبير أنه قال : اذكروني بطاعتي فأجمله حتى يدخل الكل فيه، أما قوله :﴿أَذْكُرْكُمْ﴾ فلا بد من حمله على ما يليق بالموضع، والذي له تعلق بذلك الثواب والمدح، وإظهار الرضا والإكرام، وإيجاب المنزلة، وكل ذلك داخل تحت قوله :﴿أَذْكُرْكُمْ﴾ انتهى. ﴿مفاتيح الغيب حـ ٤ صـ ١٣٠ ـ ١٣١﴾
قال الإمام البقاعى :
﴿فاذكروني﴾ أي لأجل إنعامي عليكم بهذا وبغيره ﴿أذكركم﴾ فأفتح لكم من المعارف وأدفع عنكم من المخاوف ما لا يدخل تحت حد ﴿واشكروا لي﴾ وحدي من غير شريك تشركون معي أزدكم، وأكد هذه الإشارة بقوله ﴿ولا تكفرون﴾ أي أسلبكم. قال الحرالي : ولما كان للعرب ولع بالذكر لآبائهم ولوقائعهم ولأيامهم جعل سبحانه وتعالى ذكره لهم عوض ما كانوا يذكرون، كما جعل كتابه عوضاً من إشعارهم وهز عزائهم لذلك بما يسرهم به من ذكره لهم - انتهى. ﴿نظم الدرر حـ ١ صـ ٢٧٦ ـ ٢٧٧﴾
من أقوال العلماء فى الآية الكريمة
قال ابن عبّاس : اذكروني بطاعتي أذكركم بمعونتي بيانه قوله :﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا﴾ الآية.
سعيد بن جبير : بطاعتي أذكركم بمغفرتي بيانه ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾.