وحكي عن المبرد أيضاً وفيه حذف إن واسمها وخبرها وإبقاء المصدر وذلك لا يجوز، وفيه أيضاً من التعقيد المخل بالفصاحة ما فيه، ولا أظن صحة حكايته عن المبرد لغاية برودته، وجوز صاحب التقريب أن يكون المراد إن نظن إلا ظناً ضعيفاً فهو مصدر مبين للنوع حذفت صفته كما صرح به في "البحر" لا مؤكد، وهذا يوافق ما ذكره الإمام السكاكي في بحث أن التنكير قد يكون للتحقير.
وتعقب بأن قوله تعالى :﴿ وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ ﴾ يأباه فإن مقابل الاستيقان مطلق الظن لا الضعيف منه، وقد صرح غير واحد بأن هذه الجملة كالتأكيد لما قبلها والمراد بها استمرار النفي وتأكيده، قيل : والمعنى وما نحن بمستيقنين إمكان الساعة أي لا نتيقن إمكانها أصلاً فضلاً عن تحقق وقوعها المدلول عليه بقوله تعالى :﴿ إِنَّ وعْدَ الله حَقٌّ والساعة لاَ رَيْبَ فِيهَا ﴾ فقولهم ذلك رد لهذا، ولعل المثبتين لأنفسهم الظن من غير إيقان بأمر الساعة غير القائلين ﴿ ما هي إلا حياتنا الدنيا ﴾ [ الجاثية : ٢٤ ] فإن ذلك ظاهر في أنهم منكرون للبعث جازمون بنفي الساعة فيكون الكفرة صنفين صنف جازمون بنفيها كأئمتهم وصنف مترددون متحيرون فيها فإذا سمعوا ما يؤثر عن آبائهم أنكروها وإذا سمعوا الآيات المتلوة تقهقر إنكارهم فترددوا.
ويحتمل اتحاد قائل ذاك وقائل هذا إلا أن كل قول في وقت وحال فهو مضطرب مختلف الحالات تارة يجزم بالنفي فيقول :﴿ ما هي إلا حياتنا الدنيا ﴾ [ الجاثية : ٢٤ ] وأخرى يظن فيقول إن نظن إلا ظناً، وقيل : الجزم هناك بنفي وقوعها والظن من غير إيقان هنا بمجرد إمكانها فهم مترددون بإمكانها الذاتي جازمون بعدم وقوعها بالفعل فتأمل. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٢٥ صـ ﴾