ولما كان التقدير : له ملك ذلك أبداً، فهو يفعل فيه اليوم ما تشاهدون مع رفع هذا وخفض هذا، فلو أن الناس سلموا لقضائه لوصلوا إلى جميع ما وصلوا إليه بالبغي والعدوان، فإنه لا يخرج شيء عن أمره ولكن أكثر الناس اليوم في ريبهم يترددون، بنى عليه قوله تعالى :﴿ويوم تقوم الساعة﴾ أي توجد وتتحقق تحقق القائم الذي هو على كمال تمكنه وتمامه أمره الناهض بأعباء ما يريد، وكرر سبحانه للتهويل والتأكيد قوله :﴿يومئذ﴾ أي إذا تقول يخسرون - هكذا كان الأصل، ولكنه قال للتعميم والتعليق بالوصف :﴿يخسر المبطلون﴾ أي الداخلون في الباطل العريقون في الاتصاف به، الذين كانوا لا يرضون بقضائي فيستعجلون فيتوصلون إلى مراداتهم بما لم آمر به، ولا يزالون يبغون إلى أن يأتي الوقت الذي قدرت وصلوهم إليها فيه، فيصلون ويظنون أنهم وصلوا بسعيهم، وأنهم لو تركوا لما كان لهم ذلك فيخسرون لأجل سعيهم بما جعلت لهم من الاختيار بمرادي فيهم على خلاف أمري، خسارة مستمرة التجدد لا انفكاك لهم عنها ويفوز المحقون.
ولما كان ذلك من شأن اليوم مهولاً، عم في الهول بقوله مصوراً لحاله :﴿وترى﴾ أي في ذلك اليوم ﴿كل أمة﴾ من الأمم الخاسرة فيها والفائزة ﴿جاثية﴾ أي مجتمعة لا يخلطها غيرها، وهي مع ذلك باركة على الركب رعباً واستيفازاً لما لعلها تؤمر به، جلسة المخاصم بين يدي الحاكم، ينتظروا القضاء الحاتم، والأمر الجازم اللازم، لشدة ما يظهر لها من هول ذلك اليوم.
ولما كان كأن قيل : هم مستوفزون، قال :﴿كل أمة﴾ أي من الجاثين ﴿تدعى إلى كتابها﴾ أي الذي أنزل إليها وتعبدها الله به والذي نسخته الحفظة من أعمالها ليطبق أحدهما بالآخر، فمن وافق كتابه ما أمر به من كتاب ربه نجا، ومن خاله هلك، ويقال لهم حال الدعاء :﴿اليوم تجزون﴾ على وفق الحكمة بأيسر أمر ﴿ما﴾ أي عين الذي ﴿كنتم﴾ بما هو لكم كالجبلات ﴿تعملون﴾ أي مصرين عليه غير راجعين عنه من خير أو شر.


الصفحة التالية
Icon