ثم قال تعالى :﴿أُوْلَئِكَ أصحاب الجنة خالدين فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ قالت المعتزلة : هذه الآية تدل على مسائل أولها : قوله تعالى :﴿أُوْلَئِكَ أصحاب الجنة﴾ وهذا يفيد الحصر، وهذا يدل على أن أصحاب الجنة ليسوا إلا الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا، وهذا يدل على أن صاحب الكبيرة قبل التوبة لا يدخل الجنة وثانيها : قوله تعالى :﴿جَزَاءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ وهذا يدل على فساد قول من يقول : الثواب فضل لا جزاء وثالثها : أن قوله تعالى :﴿بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ يدل على إثبات العمل للعبد ورابعها : أن هذا يدل على أنه يجوز أن يحصل الأثر في حال المؤثر، أو أي أثر كان موجوداً قبل ذلك بدليل أن العمل المتقدم أوجب الثواب المتأخر وخامسها : كون العبد مستحقاً على الله تعالى، وأعظم أنواع هذا النوع الإحسان إلى الوالدين، لا جرم أردفه بهذا المعنى، فقال تعالى :﴿وَوَصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ حُسْناً﴾ وقد تقدم الكلام في نظير هذه الآية في سورة العنكبوت، وفي سورة لقمان، وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
قرأ عاصم وحمزة والكسائي ﴿بوالديه إحسانا﴾ والباقون ﴿حَسَنًا ﴾.
واعلم أن الإحسان خلاف الإساءة والحسن خلاف القبيح، فمن قرأ ﴿إحسانا﴾ فحجته قوله تعالى في سورة بني إسرائيل ﴿وبالوالدين إحسانا﴾ [ الإسراء : ٤٣ ] والمعنى أمرناه بأن يوصل إليهما إحساناً، وحجة القراءة الثانية قوله تعالى في العنكبوت ﴿وَوَصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ حُسْناً﴾ [ العنكبوت : ٨ ] ولم يختلفوا فيه، والمراد أيضاً أنا أمرناه بأن يوصل إليهما فعلاً حسناً، إلا أنه سمى ذلك الفعل الحسن بالحسن على سبيل المبالغة، كما يقال : هذا الرجل علم وكرم، وانتصب حسناً على المصدر، لأن معنى ﴿وَوَصَّيْنَا الإنسان بوالديه﴾ أمرناه أن يحسن إليهما إِحساناً.


الصفحة التالية
Icon