ومما يوضح أنه ما خلق السماوات والأرض إلا خلقاً متلبساً بالحق، قوله تعالى فى آخر الذاريات ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الجن والإنس إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ ﴾ [ الذاريات : ٥٦ - ٥٧ ].
سواء قلنا : إن معنى إلا ليعبدون أي لآمرهم بعبادتى فيعبدني السعداء منهم، لأن عبادتهم يحصل بهم تعظيم الله وطاعته، والخضوع له كما قال تعالى :﴿ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هؤلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ ﴾ [ الأنعام : ٨٩ ].
وقال تعالى :﴿ فَإِنِ استكبروا فالذين عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بالليل والنهار وَهُمْ لاَ يَسْأَمُونَ ﴾ [ فصلت : ٣٨ ].
أو قلنا : إن معنى إلا ليعبدون أي إلا ليقروا لي بالعبودية، ويخضعوا ويذعنون لعظمتي، لأن المؤمنين يفعلون ذلك طوعاً، والكفار يذعنون لقهره وسلطانه تعالى كرهاً.
ومعلوم أن حكمة الابتلاء والتكليف لا تتم إلا بالجزاء على الأعمال.
وقد بين تعالى أن من الحق الذي خلق السماوات والارض خلقا متلبساً به، جزاء الناس بأعمالهم، كقوله تعالى فى النجم ﴿ وَلِلَّهِ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض لِيَجْزِيَ الذين أَسَاءُواْ بِمَا عَمِلُواْ وَيِجْزِيَ الذين أَحْسَنُواْ بالحسنى ﴾ [ النجم : ٣١ ].
فقوله تعالى :﴿ وَلِلَّهِ مَا فِي السماوات ﴾ أي هو خالقها ومن فيهما ﴿ لِيَجْزِيَ الذين أَسَاءُواْ بِمَا عَمِلُوا ﴾.
فقوله تعالى :﴿ وَلِلَّهِ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض ﴾ أي هو خالقها ومن فيها ﴿ لِيَجْزِيَ الذين أَسَاءُواْ بِمَا عَمِلُواْ ﴾ الآية.
ويوضح ذلك قوله تعالى فى يونس ﴿ إِنَّهُ يَبْدَأُ الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات بالقسط والذين كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ ﴾ [ يونس : ٤ ].