ولما قرر سبحانه الأصل الدال على التوحيد وإثبات العدل والحرمة بالبعث للفصل، وكانوا يقولون : إنهم أعقل الناس، وكان العاقل لا يأمن غوائل الإنذار إلا أن أعد لها ما يتحقق دفعه لها وكان لا يقدر على دفع المتوعد إلا من يساويه أو يزيد عليه بشركة أو غيرها، وكانوا يدعون في أصنامهم أنها شركاء، بنى على ذلك الأصل تفاريعه، وبدأ بإبطال متمسكهم فقال سبحانه وتعالى آمراً له ـ ﷺ ـ بأن ينبههم على سفههم بأنهم أعرضوا عما قد يضرهم من غير احتراز منه دالاً على عدم إلهية ما دعوه آلهة بعدم الدليل على إلهيتها من عقل أو نقل، لأن منصب الإلهية لا يمكن أن يثبت وله من الشرف ما هو معلوم بغير دليل قاطع :﴿قل﴾ أي لهؤلاء المعرضين أنفسهم لغاية الخطر منكراً عليهم تبكيتاً وتوبيخاً :﴿أرءيتم﴾ أي أخبروني بعد تأمل ورؤية باطنة ﴿ما تدعون﴾ أي دعاء عبادة، ونبه على سفولهم بقوله تعالى :﴿من دون الله﴾ أي الملك الأعظم الذي كل شيء دونه، فلا كفوء له.
ولما كان من المعلوم أن الاستفهام عن رؤية ما مشاهدتهم له معلومة لا يصح إلى بتأويل أنه عن بعض الأحوال، وكان التقدير : أهم شركاء في الأرض، استأنف قوله :﴿أروني ما﴾ وأكد الكلام بقوله سبحانه وتعالى :﴿ماذا خلقوا﴾ أي اخترعوه ﴿من الأرض﴾ ليصح ادعاء أنهم شركاء فيها باختراع ذلك الجزء.
ولما كان معنى الكلام وترجمته : أروني أهم شركاء في الأرض؟ عادله بقوله :﴿أم لهم﴾ أي الذين تدعونهم ﴿شرك في السماوات﴾ أي نوع من أنواع الشركة : تدبير - كما يقول أهل الطبائع، أو خلق أو غيره، أروني ذلك الذي خلقوه منها ليصح ادعاؤكم فيهم واعتمادكم عليهم بسببه.
فالآية من الاحتباك : ذكر الخلق أولاً دليلاً على حذفه ثانياً، والشركة ثانيةً دليلاً على حذفها أولاً.


الصفحة التالية
Icon