ولما أبطل سبحانه وتعالى قولهم في الأصنام بعدم قدرتها على إتيان شيء من ذلك لأنها من جملة مخلوقات في الأصل، أتبعه إبطاله بعدم علمها ليعلم قطعاً أنهم أضل الناس حيث ارتبطوا في أجل الأشياء - وهو أصول الدين - بما لا دليل عليه أصلاً، فقال تعالى منكراً أن يكون أحد أضل منهم، عاطفاً على ما هدى السياق حتماً إلى تقديره وهو : فمن أضل ممن يدعي شيئاً من الأشياء وإن قل بلا دليل :﴿ومن أضل ممن﴾ يدعي أعظم الأشياء بغير دليل ما عقلي ولا نقلي، فهو ﴿يدعوا﴾ ما لا قدرة له ولا علم، وما انتفت قدرته وعلمه لم تصح عبادته ببديهة العقل، وأرشد إلى سفولها بقوله تعالى :﴿من دون الله﴾ أي من أدنى رتبة من رتب الذي له جميع صفات الجلال والجمال والكمال، فهو سبحانه يعلم كل شيء ويقدر على كل شيء بحيث يجيب الدعاء ويكشف البلاء ويحقق الرجاء إذا شاء، ويدبر عبده لما يعلم من سره وعلنه بما لا يقدر هو على تدبير نفسه به، ويريد العبد في كثير من الأشياء ما لو وكل العبد فيه إلى نفسه وأجيب إلى طلبته كان فيه حتفه، فيدبره سبحانه بما تشتد كراهيته له فيكشف الحال عن أنه لم يكن له فرج إلا فيه ﴿من لا يستجيب له﴾ أي لا يوجد الإجابة ولا يطلب إيجادها من الأصنام وغيرها لأنه لا أهلية له لذلك.
ولما كان أقل الاستجابة مطلق الكلام، وكانوا في الآخرة يكلمونهم في الجملة وإن كان بما يضرهم، غيى هذا النفي بوقت لا ينفع فيه استجابة أصلاً ولا يغني أحد عن أحد أبداً فقال تعالى :﴿إلى يوم القيامة﴾ أي الذي صرفنا لهم من أدلته ما هو أوضح من الشمس ولا يزيدهم لك إلا إنكاراً وركوناً إلى ما لا دليل عليه أصلاً وهم يدعون الهداية ويعيبون أشد عيب الغواية.


الصفحة التالية
Icon