ولما نسبوه إلى الافتراء تارة والجنون أخرى، وكان السبب الأعظم في نسبتهم له إلى ذلك صدعهم بما يسوءهم على غير عادته السالفة وعادة أمثاله، قال على سبيل القصر القلبي :﴿وما أنا﴾ أي بإخباري لكم عما يوحى إليّ ﴿إلا نذير﴾ أي لكم ولكل من بلغه القرآن ﴿مبين﴾ أي ظاهر أني كذلك في نفسه مظهر له - أي كوني نذيراً - ولجميع الجزئيات التي أنذر منها بالأدلة القطعية.
ولما أثبت أنه من عند الله بشهادة الله نفسه بعجزهم عن المعارضة، قبح عليهم إصرارهم على التكذيب على تقدير شهادة أحد ممن يثقون بهم يسألونهم عنه من أهل الكتاب فقال تعالى :﴿قل أرءيتم﴾ أي أخبروني وبينوا لي وأقيموا ولو ببعض حجة أو برهان ﴿إن كان﴾ أي هذا الذي يوحى إليّ وآتيكم به وأنذركم وأعلمكم أنه من الله فإنه ﴿من عند الله﴾ أي الملك الأعظم.
ولما كان مقصود السورة إنذار الكافرين الذين لا ينظرون في علم، بل شأنهم تغطية المعارف والعلوم، عطف بالواو الدالة على مطلق الجمع الشامل لمقارنة الأمرين المجموعين من غير مهلة فيدل على الإسراع في الكفر من غير تأمل قال :﴿وكفرتم به﴾ أي على هذا التقدير ﴿وشهد شاهد﴾ أي واحد وأكثر ﴿من بني إسرائيل﴾ الذين جرت عادتكم أن تستفتوهم وتثقوا بهم ﴿على مثله﴾ أي مثل ما في القرآن من أن من وحد فقد آمن، ومن أشرك فقد كفر، وأن الله أنزل ذلك في التوراة والإنجيل وجميع أسفارهم، فطابقت عليه كتبهم، وتظافرت به رسلهم، وتواترت على الدعاء إليه والأمر به أنبياؤهم عليهم الصلاة والسلام، ثم سبب عن شهادته وعقب وفصل فقال :﴿فآمن﴾ أي هذا الذي شهد هذه الشهادة بهذا القرآن عندما رآه مصدقاً لما ذكر وعلم أنه الكتاب الذي بشرت به كتبهم، فاهتدى إلى وضع الشيء في محله فوضعه ولم يستكبر.


الصفحة التالية
Icon