فصل


قال الفخر :
﴿ قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ ﴾
اعلم أنه تعالى لما حكى عنهم أنهم في كون القرآن معجزاً، بأن قالوا إنه يختلقه من عند نفسه ثم ينسبه إلى أنه كلام الله على سبيل الفرية، حكى عنهم نوعاً آخر من الشبهات، وهو أنهم كانوا يقترحون منه معجزات عجيبة قاهرة، ويطالبونه بأن يخبرهم عن المغيبات، فأجاب الله تعالى عنه بأن قال :﴿قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ الرسل﴾ والبدع والبديع من كل شيء المبدأ والبدعة ما اخترع مما لم يكن موجوداً قبله بحكم السنة، وفيه وجوه الأول :﴿مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ الرسل﴾ أي ما كنت أولهم، فلا ينبغي أن تنكروا إخباري بأني رسول الله إليكم، ولا تنكروا دعائي لكم إلى التوحيد، ونهيي عن عبادة الأصنام، فإن كل الرسل إنما بعثوا بهذا الطريق الوجه الثاني : أنهم طلبوا منه معجزات عظيمة وأخباراً عن الغيوب فقال :﴿قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ الرسل﴾ والمعنى أن الإتيان بهذه المعجزات القاهرة والإخبار عن هذه الغيوب ليس في وسع البشر، وأنا من جنس الرسل واحد منهم لم يقدر على ما تريدونه فكيف أقدر عليه ؟ الوجه الثالث : أنهم كانوا يعيبونه أنه يأكل الطعام ويمشي في الأسواق وبأن أتباعه فقراء فقال :﴿قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ الرسل﴾ وكلهم كانوا على هذه الصفة وبهذه المثابة فهذه الأشياء لا تقدح في نبوتي كما لا تقدح في نبوتهم.
ثم قال :﴿وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى :


الصفحة التالية
Icon