وأكثر المحققين استبعدوا هذا القول واحتجوا عليه بوجوه الأول : أن النبي ﷺ لا بد وأن يعلم من نفسه كونه نبياً ومتى علم كونه نبياً علم أنه لا تصدر عنه الكبائر وأنه مغفور له، وإذا كان كذلك امتنع كونه شاكاً في أنه هل هو مغفور له أم لا الثاني : لا شك أن الأنبياء أرفع حالاً من الأولياء، فلما قل في هذا ﴿إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [ الأحقاف : ١٣ ] فكيف يعقل أن يبقى الرسول الذي هو رئيس الأتقياء وقدوة الأنبياء والأولياء شاكاً في أنه هل هو من المغفورين أو من المعذبين ؟ الثالث : أنه تعالى قال :﴿الله أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾ [ الأنعام : ١٢٤ ] والمراد منه كمال حاله ونهاية قربه من حضرة الله تعالى، ومن هذا حاله كيف يليق به أن يبقى شاكاً في أنه من المعذبين أو من المغفورين ؟ فثبت أن هذا القول ضعيف.
المسألة الثانية :
قال صاحب "الكشاف" قرىء ﴿مَّا يُفْعَلُ﴾ يفتح الياء أي يفعل الله عزّ وجلّ فإن قالوا ﴿مَّا يَفْعَلُ﴾ مثبت وغير منفي وكان وجه الكلام أن يقال : ما يفعل بي وبكم ؟ قلنا التقدير ما أدري ما يفعل بي وما أدري ما يفعل بكم.
ثم قال تعالى :﴿إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يوحى إِلَيَّ﴾ يعني إني لا أقول قولاً ولا أعمل عملاً إلا بمقتضى الوحي واحتج نفاة القياس بهذه الآية فقالوا النبي ﷺ ما قال قولاً ولا عمل عملاً إلا بالنص الذي أوحاه الله إليه، فوجب أن يكون حالنا كذلك بيان الأول : قوله تعالى :﴿إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يوحى إِلَيَّ﴾ بيان الثاني : قوله تعالى :﴿واتبعوه﴾ [ الأعراف : ١٥٨ ] وقوله تعالى :﴿فَلْيَحْذَرِ الذين يخالفون عَنْ أَمْرِهِ﴾ [ النور : ٦٣ ].