واعلم أنه تعالى لما حكى عنهم هذا الكلام أجاب عنه بقوله ﴿وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ﴾ والمعنى أنهم لما لم يقفوا على وجه كونه معجزاً، فلا بد من عامل في الظرف في قوله ﴿وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ﴾ ومن متعلق لقوله ﴿فَسَيَقُولُونَ﴾ وغير مستقيم أن يكون ﴿فَسَيَقُولُونَ﴾ هو العامل في الظرف لتدافع دلالتي المضي والاستقبال، فما وجه هذا الكلام ؟ وأجاب عنه بأن العامل في إذ محذوف لدلالة الكلام عليه، والتقدير ﴿وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ﴾ ظهر عنادهم ﴿فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ ﴾.
ثم قال تعالى :﴿وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ موسى إَمَامًا وَرَحْمَةً﴾ كتاب موسى مبتدأ، ومن قبله ظرف واقع خبراً مقدماً عليه، وقوله ﴿إِمَاماً﴾ نصب على الحال كقولك في الدار زيد قائماً، وقرىء ﴿وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ موسى﴾ والتقدير : وآتينا الذي قبله التوراة، ومعنى ﴿إِمَاماً﴾ أي قدوة ﴿وَرَحْمَةً﴾ يؤتم به في دين الله وشرائعه، كما يؤتم بالإمام ﴿وَرَحْمَةً﴾ لمن آمن به وعمل بما فيه، ووجه تعلق هذا الكلام بما قبله أن القوم طعنوا في صحة القرآن، وقالوا لو كان خيراً ما سبقنا إليه هؤلاء الصعاليك، وكأنه تعالى قال : الذي يدل على صحة القرآن أنكم لا تنازعون في أن الله تعالى أنزل التوراة على موسى عليه السلام، وجعل هذا الكتاب إماماً يقتدى به، ثم إن التوراة مشتملة على البشارة بمقدم محمد ﷺ فإذا سلمتم كون التوراة إماماً يقتدى به، فاقبلوا حكمه في كون محمد ﷺ حقاً من الله.