المسألة الثانية :
اختلفوا في أن الجن هل لهم ثواب أم لا ؟ فقيل لا ثواب لهم إلا النجاة من النار، ثم يقال لهم كونوا تراباً مثل البهائم، واحتجوا على صحة هذا المذهب بقوله تعالى :﴿وَيُجِرْكُمْ مّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [ الأحقاف : ٣١ ] وهو قول أبي حنيفة، والصحيح أنهم في حكم بني آدم فيستحقون الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية، وهذا القول قول ابن أبي ليلى ومالك، وجرت بينه وبين أبي حنيفة في هذا الباب مناظرة، قال الضحاك يدخلون الجنة ويأكلون ويشربون، والدليل على صحة هذا القول أن كل دليل على أن البشر يستحقون الثواب على الطاعة فهو بعينه قائم في حق الجن، والفرق بين البابين بعيد جداً.
واعلم أن ذلك الجني لما أمر قومه بإجابة الرسول والإيمان به حذرهم من تلك الإجابة فقال :﴿وَمَن لاَّ يُجِبْ دَاعِيَ الله فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأرض﴾ أي لا ينجي منه مهرب ولا يسبق قضاءه سابق، ونظيره قوله تعالى :﴿وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن نُّعْجِزَ الله فِي الأرض وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَباً﴾ [ الجن : ١٢ ] ولا نجد له أيضاً ولياً ولا نصيراً، ولا دافعاً من دون الله ثم بيّن أنهم في ضلال مبين. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٢٨ صـ ٢٧ ـ ٢٩﴾


الصفحة التالية