ولما ذكر نفي الإغناء، ذكر ظرفه على وجه يفهم التعليل، فإنه إذا ذكر الانتقام في وقت فعل الشيء علم أن علته فعل ذلك الشيء فقال :﴿إذ كانوا﴾ أي طبعاً لهم وخلقاً ﴿يجحدون﴾ أي يكررون على مر الزمان الجحد ﴿بآيات الله﴾ أي الإنكار لما يعرف من دلائل الملك الأعظم ﴿وحاق﴾ أي أحاط على جهة الإحراق والعظم بأمور لا يدري وجه المخلص منها ﴿بهم ما﴾ أي عقاب الذي ﴿كانوا﴾ على جهة الدوام لكونه خلقاً لهم ﴿به يستهزءون﴾ أي يوجدونه على سبيل الاستمرار إيجاد من هو طالب له عاشق فيه.
ولما تم المراد من الإخبار بهلاكهم على ما لهم من المكنة العظيمة ليتعظ بهم من سمع أمرهم، أتبعهم من كان مشاركاً لهم في التكذيب فشاركهم في الهلاك، فقال مكرراً لتخويفهم دالاً على إحاطة قدرته بإحاطة علمه :﴿ولقد أهلكنا﴾ بما لنا من العظمة والقدرة المحيطتين الماضيتين بكل ما نريد ﴿ما حولكم﴾ أي يا أهل مكة ﴿من القرى﴾ كأهل الحجر وسبا ومدين والأيكة وقوم لوط وفرعون وأصحاب الرس وثمود وغيرهم ممن فيهم معتبر.
ولما كان الموعوظ به الإهلاك ذكر مقدماً، فتشوف السامع إلى السؤال عن حالهم في الآيات، فقال عاطفاً بالواو التي لا يمنع معطوفها التقدم على ما عطف عليه :﴿وصرفنا الآيات﴾ أي حولنا الحجج البينات وكررناها موصلة مفصلة مزينة محسنة على وجوه شتى من الدلالات، خالصة عن كل شبهة.
ولما كان تصريف الآيات لا يخص أحداً بعينه، بل هو لكل من رآه أو سمع به لم يقيدها بهم وذكر العلة الشاملة لغيرهم فقال :﴿لعلهم﴾ أي الكفار ﴿يرجعون﴾ أي ليكونوا عند من يعرف حالهم في رؤية الآيات حال من يرجع عن الغي الذي كان يركبه لتقليد أو شبهة كشفته الآيات وفضحته الدلالات فلم يرجعوا، فكان عدم رجوعهم سبب إهلاكنا لهم.