ثم بيّن تعالى أنه إنما لم يغن عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم لأجل أنهم كانوا يجحدون بآيات الله، وقوله ﴿إِذْ كَانُواْ يَجْحَدُونَ﴾ بمنزلة التعليل، ولفظ إذ قد يذكر لإفادة التعليل تقول : ضربته إذ أساء، والمعنى ضربته لأنه أساء، وفي هذه الآية تخويف لأهل مكة فإن قوم عاد لما اغتروا بدنياهم وأعرضوا عن قبول الدليل والحجة نزل بهم عذاب الله، ولم تغن عنهم قوتهم ولا كثرتهم، فأهل مكة مع عجزهم وضعفهم أولى بأن يحذروا من عذاب الله تعالى ويخافوا.
ثم قال تعالى :﴿وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ﴾ يعني أنهم كانوا يطلبون نزول العذاب وإنما كانوا يطلبونه على سبيل الاستهزاء، والله أعلم.
وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢٧)
اعلم أن المراد ولقد أهلكنا ما حولكم يا كفار مكة من القرى، وهي قرى عاد وثمود باليمن والشام ﴿وَصَرَّفْنَا الأيات﴾ بيناها لهم ﴿لَعَلَّهُمْ﴾ أي لعلّ أهل القرى يرجعون، فالمراد بالتصريف الأحوال الهائلة التي وجدت قبل الإهلاك.
قال الجبائي : قوله ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ معناه لكي يرجعوا عن كفرهم، دل بذلك على أنه تعالى أراد رجوعهم ولم يرد إصرارهم والجواب : أنه فعل ما لو فعله غيره لكان ذلك لأجل الإرادة المذكورة، وإنما ذهبنا إلى هذا التأويل للدلائل الدالة على أنه سبحانه مريد لجميع الكائنات.


الصفحة التالية
Icon