وقرأ جمهور القراء :" لا ترى " أيها المخاطب. وقرأ عاصم وحمزة :" لا يُرى " بالياء على بناء الفعل للمفعول " مساكنُهم " رفعاً. التقدير : لا يرى شيء منهم، وهذه قراءة ابن مسعود وعمرو بن ميمون والحسن بخلاف عنه، ومجاهد وعيسى وطلحة. وقرأ الحسن بن أبي الحسن والجحدري وقتادة وعمرو بن ميمون والأعمش وابن أبي إسحاق وأبو رجاء ومالك بن دينار بغير خلاف عنهما خاصة ممن ذكر :" لا تُرى " بالتاء منقوطة من فوق مضمومة " مساكُنهم " رفعاً، ورويت عن ابن عامر، وهذا نحو قول ذي الرمة :[ البسيط ]
كأنه جمل وهم وما بقيت... إلا النجيزة والألواح والعصب
ونحو قوله :[ الطويل ]
فما بقيت إلا الضلوع الجراشع... وفي هذه القراءة استكراه. وقرأ الأعمش وعيسى الهمداني : إلا مسكنهم " على الإفراد الذي هو اسم الجنس، والجمهور على الجمع في اللفظة، ووجه الإفراد تصغير الشأن وتقريبه كما قال تعالى :﴿ ثم يخرجكم طفلاً ﴾ [ غافر : ٦٧ ].
ثم خاطب تعالى قريشاً على جهة الموعظة بقوله :﴿ ولقد مكناهم في ما إن مكناهم فيه ﴾ ف ﴿ ما ﴾، بمعنى الذي، و﴿ إن ﴾ نافية وقعت مكان ﴿ ما ﴾ ليختلف اللفظ، ولا تتصل ﴿ ما ﴾ ب ﴿ ما ﴾، لأن الكلام كأنه قال : في الذي ما مكناكم فيه. ومعنى الآية : ولقد أعطيناهم من القوة والغنى والبسط في الأموال والأجسام ما لم نعطكم، ونالهم بسبب كفرهم هذا العذاب، فأنتم أحرى بذلك إذا كفرتم. وقالت فرقة :﴿ إن ﴾ شرطية، والجواب محذوف تقديره : في الذي إن مكناكم فيه طغيتم، وهذا تنطع في التأويل.
ثم عدد تعالى عليهم نعم الحواس والإدراك، وأخبر أنها لم تغن حين لم تستعمل على ما يجب. و" ما " : نافية في قوله :﴿ فما أغنى عنهم ﴾ ويقوي ذلك دخول ﴿ من ﴾ في قوله :﴿ من شيء ﴾.