وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ مَكَّنَاهُمْ فِيمَآ إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ ﴾
قيل : إن "إنْ" زائدة ؛ تقديره ولقد مكناكم فيما مكناكم فيه.
وهذا قول القتبيّ.
وأنشد الأخفش :
يُرَجِّي المرءُ ما إن لا يراه...
وتعرِض دون أدناه الخطوب
وقال آخر :
فما إنْ طِبُّنَا جُبْنَ ولكن...
منايانا ودَوْلَةُ آخرينا
وقيل : إن "ما" بمعنى الذي.
و"إن" بمعنى ما ؛ والتقدير ولقد مكناهم في الذي ما مكناكم فيه ؛ قاله المبرّد.
وقيل : شرطية وجوابها مضمر محذوف ؛ والتقدير ولقد مكناهم في ما إن مكناكم فيه كان بغيكم أكثر وعنادكم أشدّ ؛ وتم الكلام، ثم ابتدأ فقال :﴿ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً ﴾ يعني قلوباً يفقهون بها.
﴿ فَمَآ أغنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلاَ أَبْصَارُهُمْ وَلاَ أَفْئِدَتُهُمْ مِّن شَيْءٍ ﴾ من عذاب الله.
﴿ إِذْ كَانُواْ يَجْحَدُونَ ﴾ يكفرون.
﴿ بِآيَاتِ الله وَحَاقَ بِه ﴾ أحاط بهم.
﴿ مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾.
قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِّنَ القرى ﴾ يريد حِجر ثمود وقُرى لوط ونحوهما مما كان يجاور بلاد الحجاز، وكانت أخبارهم متواترة عندهم.
﴿ وَصَرَّفْنَا الآيات ﴾ يعني الحجج والدلالات وأنواع البيّنات والعِظات ؛ أي بيّناها لأهل تلك القرى.
﴿ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ فلم يرجعوا.
وقيل : أي صرفنا آيات القرآن في الوعد والوعيد والقصص والإعجاز لعل هؤلاء المشركين يرجعون.
قوله تعالى :﴿ فَلَوْلاَ نَصَرَهُمُ ﴾
"لَوْلاَ" بمعنى هلاّ ؛ أي هلاّ نصرهم آلهتهم التي تقرّبوا بها بزعمهم إلى الله لتشفع لهم حيث قالوا :﴿ هؤلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ الله ﴾ [ يونس : ٨ ١ ] ومنعتهم من الهلاك الواقع بهم.
قال الكِسائيّ : القُرْبان كل ما يُتقرّب به إلى الله تعالى من طاعة ونَسيكة ؛ والجمع قرابين ؛ كالرهبان والرهابين.


الصفحة التالية
Icon