وقال أبو حيان فى الآيات السابقة :
﴿ وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا ﴾
﴿ ويوم يعرض ﴾ : أي يعذب بالنار، كما يقال : عرض على السيف، إذا قتل به.
والعرض : المباشرة، كما تقول : عرضت العود على النار : أي باشرت به النار.
وقال الزمخشري : ويجوز أن يراد عرض النار عليهم من قولهم : عرضت الناقة على الحوض، يريدون عرض الحوض عليها، فقلبوا.
ويدل عليه تفسير ابن عباس : يجاء بهم إليها فيكشف لهم عنها. انتهى.
ولا ينبغي حمل القرآن على القلب، إذ الصحيح في القلب أنه مما يضطر إليه في الشعر.
وإذا كان المعنى صحيحاً واضحاً مع عدم القلب، فأي ضرورة ندعو إليه؟ وليس في قولهم : عرضت الناقة على الحوض، ولا في تفسير ابن عباس ما يدل على القلب، لأن عرض الناقة على الحوض، وعرض الحوض على الناقة، كل منهما صحيح ؛ إذ العرض أمر نسبي يصح إسناده لكل واحد من الناقة والحوض.
وقرأ الجمهور : أذهبتم على الخبر، أي فيقال لهم : أذهبتم، ولذلك حسنت الفاء في قوله :﴿ فاليوم تجزون ﴾.
وقرأ قتادة، ومجاهد، وابن وثاب، وأبو جعفر، والأعرج، وابن كثير : بهمزة بعدها مدة مطولة، وابن عامر، بهمزتين حققهما ابن ذكوان، ولين الثانية هشام، وابن كثير في رواية.
وعن هشام : الفصل بين المحققة والملينة بألف، وهذا الاستفهام هو على معنى التوبيخ والتقرير، فهو خبر في المعنى، فلذلك حسنت الفاء، ولو كان استفهاماً محضاً لم تدخل الفاء.
والطيبات هنا : المستلذات من المآكل والمشارب والملابس والمفارش والمراكب والمواطىء، وغير ذلك مما يتنعم به أهل الرفاهية.
وهذه الآية محرضة على التقلل من الدنيا، وترك التنعم فيها، والأخذ بالتقشف، وما يجتزي به رمق الحياة عن رسول الله في ذلك ما يقتضي التأسي به.