ولما كان أقعد ما يهددون به في هذه السورة وأنسبه لمقصودها عاد لكونهم أقوى الناس أبداناً وأعتاهم رقاباً وأشدهم قلوباً وأوسعهم ملكاً وأعظمهم استكباراً بحيث كانوا يقولون ﴿من أشد منا قوة﴾ وبنوا البنيان الذي يفني الدهر ولا يفنى، فلا يعمله إلا من نسي الموت أو رجا الخلود واصطنعوا جنة على وجه الأرض لأن ملكهم عمها كلها مع قرب بلادهم لكونها في بلاد العرب من قريش ومعرفتهم بأخبارهم ورؤيتهم لديارهم وكون عذابهم نشأ من بلدهم بدعاء من دعا منهم، ذكر أمرهم على وجه دل على مقصود السورة، وعبر بالأخوة تسلية لنبيه ـ ﷺ ـ لأن فظيعة القوم لمن هو منهم ويعلمون مناقبه ومفاخره أنكأ فقال :﴿أخا عاد﴾ وهو أخو هود عليه الصلاة والسلام الذي كان بين قوم لا يعشرهم قومك في قوة ولا مكنة، وصدعهم مع ذلك بمر الحق وبادأهم بأمر الله، لم يخف عاقبتهم ونجيته منهم، فهو لك قدوة وفيه أسوة، ولقومك في قصدهم إياك بالأذى من أمره موعظة.
ولما ذكره عليه الصلاة والسلام لمثل هذه المقاصد الجليلة، أبدل منه قصته زيادة في البيان، فقال مبيناً أن الإنذار هو المقصد الأعظم من الرسالة :﴿إذ﴾ أي حين ﴿أنذر قومه﴾ أي الذين لهم قوة زائدة على القيام فيما يحاولونه ﴿بالأحقاف﴾ قال الأصبهاني : قال ابن عباس : واد بين عمان ومهرة، قال : وقال مقاتل : كانت منازل عاد باليمن في حضرموت بموضع يقال له مهرة، إليه ينسب الإبل المهرية، وكانوا أهل عمد سيارة في الربيع، فإذا هاج العود رجعوا إلى منازلهم، وكانوا من قبيلة إرم.
وقال قتادة : كانوا مشرفين على البحر بأرض يقال لها الشجر، والأحقاف جمع حقف بالكسر، وهو رمل مستطيل مرتفع فيه انحناء، وقال ابن زيد : هو ما استطال من الرمل كهيئة الجبل ولم يبلغ أن يكون جبلاً، وقال في القاموس : وهو الرمل العظيم المستدير، وأصل الرمل، واحقوقف الرمل والظهر والهلال : طال واعوج.


الصفحة التالية
Icon