وفى قراءة عبدالله: سُورةٌ مُحْدَثةٌ. كان المسلمون إذا نزلت الآية فيها القتال وذِكْره شق عليهم وتواقعوا أن تنسخ، فذلك قوله: "لولا نزلت سورة" أى هلاّ أنزلت سوى هذه، فإذا نزلت وقد أُمروا فيها بالقتال كرهوها، قال الله: ﴿فَأَوْلَى لَهُمْ﴾ لمن كرهها، ثم وصف قولهم قبل أن تنزَّل: سمع وطاعة، قد يقولون: سمع وطاعة، فإذا نزل الأمر كرهوه، فلو صدقوا الله لكان خيراً لهم، فالطاعة مرفوعة في كلام العرب إذا قيل لهم: افعلوا كذا وكذا، فثقل عليهم أو لم يثقل قالوا: سمع وطاعة.
[حدثنا أبو العباس قال: حدثنا محمد قال]: حدثنا الفراء قال: أخبرنى حبان عن الكلبى عن أبى صالح عن ابن عباس قال:
قال الله عزّ وجل: ﴿فَأَوْلَى﴾ ثم قال لَهُمْ لِلَّذِين آمنوا مِنْهم طاعةٌ وَقَوْلٌ مَعْروف، فصارت: فأولى وعيدا لمن كرهها، واستأنف الطاعة لهم، والأول عندنا كلام العرب، وقول الكلبى هذا غير مردود.
﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُواْ أَرْحَامَكُمْ ﴾
وقوله: [/ب] ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ...﴾.
قرأها العوام بنصب السين، وقرأها نافع المدنى: فهل عَسِيْتُم، بكسر السين، ولو كانت كذلك لقال: عَسِىَ [فى موضع عسى]. ولعلها لغة بادرة، وربما اجترأت العرب على تغيير بعض اللغة إذا كان الفعل لا يناله قد. قالوا: لُسْتُم يُريدون لستُم، ثم يقولون: لَيْسَ وليسُوا سواء، لأنه فعل لا يتصرف ليس له يفعل وكذلك عسى ليس له يفعل فلعله اجترى عليه كما اجترى على لستم.
وقوله: "هَلْ عَسَيْتُم"... إن توليتم أمور الناس أن تفسدوا فى الأرض، وتُقطعوا أرحامكم، ويقال: ولعلكم إن انصرفتم عن محمد ﷺ، وتوليتم عنه أن تصيروا إلى أمركم الأول من قطيعة الرحم والكفر والفساد.
﴿ إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّواْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ ﴾