قال تعالى "أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ" وهو محمد وأصحابه "كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ" من الكفار "وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ" (١٤) في إخراج حضرة الرّسول واختيار عبادة الأصنام على عبادة الملك العلام كلا لا يستوون عند اللّه، وبينهما كما بين ما أعده اللّه لكل منهما.
وما قيل إن المراد بهذه الآية أبو جهل أو غيره من الكفرة المحرّضين على إخراج الرّسول من مكة لا يقيدها بهم، بل هي عامة فيهم وفي غيرهم من الكفار، على أن أبا جهل قتل في حادثة بدر الأولى الكائنة في السّنة الثانية من الهجرة وهذه السّورة نزلت في ذي القعدة السّنة السابعة منها، فبينهما خمس سنين وشهران، لأن غزوة بدر في رمضان، ولكن الآية مكية فيجوز إدخال أبو جهل واضرابه فيها، إذ نزلت على أثر ما دبروه في قصته صلى اللّه عليه وسلم.
قال تعالى "مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ" متغير الطّعم ولا منتن من طول المكث أو طرح شيء فيها كأنهار الدّنيا، بل هي صافية طيبة عذبة "وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ" لأن التغيير من خصائص الدّنيا وما فيها، أما الآخرة فلا تغير فيها، كما أنها هي لا تتغير على كر الأزمان "وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ"