قال تعالى "وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْ لا نُزِّلَتْ سُورَةٌ" تأمرنا بالجهاد حبا فيه وحرصا عليه، لأن فيه العزّ، فأجابهم بقوله "فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ" في الجهاد غير متشابهة لا تحتمل تأويلا ولا تفسيرا "وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ" وكلّ سورة فيها ذكر الجهاد من أشد القرآن على المنافقين، لذلك قال تعالى "رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ" نظر شزر وكراهية تضجرا أوجبنا عن لقاء العدو، فتراهم شاخصي أبصارهم كأنهم يعانون سكرات الموت "فَأَوْلى لَهُمْ" (٢٠) كلمة ذم ودعاء عليهم بالمكروه كما تقول ويلك قاربك ما تكره بمعنى التهديد ويقارب هذه الآية في المعنى الآية ٧ من الأنفال والآية ٧٧ من النّساء والآية ٢٠ من الأحزاب المارات فراجعها.
وهنا تم الكلام ثم ابتدأ فقال "طاعَةٌ" للّه ورسوله "وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ" عند سماع كلامه بالإجابة أولى بهم من ذلك لو عقلوا وسكتوا "فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ" ودنى وقت الجهاد "فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ" وآمنوا به وأخلصوا وجاهدوا مع رسوله ولم يخالفوا أمره ويخلفوا وعده ولم يكذبوا في قولهم "لَكانَ خَيْراً لَهُمْ" (٢١) من الإيمان الكاذب والقول الفارغ والنّكث بالعهد والطّاعة المزيفة.
واعلم أنه لا يوجد في القرآن
غير سبع آيات مبدوءة بحرف الطّاء هذه وأول طه وأول الطّواسيم والآية ٦٥ من الصافات و٢٤ من الدّخان قال تعالى "فَهَلْ عَسَيْتُمْ" أيها المنافقون "إِنْ تَوَلَّيْتُمْ" عن سماع كلام اللّه واتباع أحكامه وطاعة رسوله فلعلكم "أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ" كما كنتم في الجاهلية وتسلكوا طرق البغي وسفك دماء النّاس "وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ" (٢٢) كما يفعل غيركم من الكفرة.


الصفحة التالية
Icon