هذا وقد أمر اللّه تعالى في الآية ٦٢ من الأنفال بإجابة طلب الصلح من قبل الأعداء فراجعها لتقف على الفرق بين الطّلبين، وأن ما يفعله الأجانب من طلب الصّلح وهم غالبون ليس هو طلب صلح بمعناه الحقيقي، لأن الغالب لا يطلبه من المغلوب، وإنما هو عبارة عن تكليفهم بالإذعان لشروط شاقة يفرضها الغالب على المغلوب حين اشتداد البأس وإيناس الضّعف منه ليقبلها قسرا عنه وهو راغم أنفه، فلو كان صلحا بمعناه الحقيقي لما كان منهم طلبه عند الضّيق وبلوغ القلوب الحناجر، وإنما هو أشد وقعا من الحرب فيقبلونه وهم كارهون لئلا يقضى عليهم بالاستئصال، أما الصّلح زمن السّلم فلا يكون إلّا عن رضى وطيب نفس، لأن العاقبة مجهولة لدى الفريقين، لذلك فإن كلا منهم يرى الصّلح خيرا بحقه وهذا هو الفرق بين صلح السّلم وصلح الحرب.
ثم زهّدهم اللّه تعالى في الدّنيا بقوله "إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ" فلا تغتروا بها "وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا" فتعضدوا إيمانكم وتقووه بالتقوى "يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ" ربكم كاملة


الصفحة التالية
Icon